بعد مرور الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الخميس إلى تنفيذ الاضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية، سيكون التساؤل الأبرز لدى التونسيين حول ارتداداته على الوضع العام والنتائج المنتظرة منه. تونس «الشروق» كلام كثير قيل وسيُقال حول الاضراب العام وخاصة التساؤل حول ما سيترتب عنه في قادم الأيام. وقد تعلّقت أهم التساؤلات بمدى نجاعة الاضراب ومدى نجاحه في تحقيق الأهداف التي يرجوها منه اتحاد الشغل ومن ورائه الموظف العمومي وهي التي عددها بيان المكتب التنفيذي الأخير لاتحاد الشغل، أبرزها الدفاع عن حقّ أعوان الوظيفة العمومية في ظروف عمل لائقة وأجرة مجزية وزيادات تقلّص من تدهور مقدرتهم الشرائية. فكيف ستتصرف الحكومة بعد هذا الاضراب العام؟ هل ستستجيب لطلب الزيادة في الاجور أم ستكون مضطرة لمجابهة «فاتورة» عدم الاستجابة. استجابة يرى متابعون ان الاضراب العام قد يشكل فعلا وسيلة ضغط على الحكومة ستدفعها الى التراجع عن موقفها السابق وتقبل الزيادة في أجور الوظيفة العمومية رغم الصعوبات المالية التي تمر بها. ويمكن أن يكون ذلك عبر إيجاد أرضية تفاهم مع اتحاد الشغل من جهة ( للتوافق حول نسب الزيادة وتوقيتها..) ومع صندوق النقد الدولي من جهة أخرى ( للتوافق حول إضفاء مرونة على شروط الصندوق) ، مع العمل على إيجاد حلول لتوفير موارد مالية إضافية تمكّنها من الزيادة في الاجور. وفي هذه الحالة يمكنها امتصاص التأثيرات السلبية المنتظرة عند عدم الاستجابة لطلب الزيادة وبالتالي تفادي مزيد تطور الامور نحو الأسوإ. تصعيد .. وإرباك اقتصادي واجتماعي لن يؤدي عدم استجابة الحكومة إلا إلى تواصل التصعيد من الطرف النقابي حسب المتابعين، ليكون هذا الاضراب متبوعا باضرابات أخرى من حين لآخر داخل مختلف الإدارات. وكل ذلك سيُمثل ارباكا للعمل الإداري وبالتالي مزيد تعطيل مصالح المواطن ومزيد تعطيل خدمات المرفق العام وهو ما سيرفع من حالة الاحتقان الشعبي. كما سيمثل إرباكا لعمل الحكومة بشكل عام وبالتالي تعطيل النشاط الاقتصادي (الذي له ارتباط وثيق بعمل الإدارة) وتعطيل الفاعلين الاقتصاديين المحليين او الأجانب عند بعث المشاريع او عند الحصول على التراخيص المختلفة او عند اتمام مختلف العمليات الاقتصادية من تصدير او توريد او غيرها. وعلى الصعيد الاجتماعي، يرى أصحاب هذا الرأي ان الحكومة قد تجد نفسها في أمام حتمية الاستجابة لمطلب الزيادة في أجور الوظيفة العمومية لانه إذا لم يحصل ذلك، يصبح الخوف من أن يقع الانتقال من الاضراب المهيكل والمنظم من اتحاد الشغل إلى التحرّكات الشعبية التلقائية خاصة في ظل تواصل ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية. فالموظفون العموميون الذين يشكلون، إلى جانب بقية أجراء القطاعين العام والخاص، العمود الفقري للطبقة الوسطى في البلاد أصبحوا غير قادرين على تأمين متطلبات المعيشة وبالتالي فان امكانية تحرّكهم تبقى واردة في الفترة القادمة وقد تكون مدعومة بتحركات بقية الفئات لا سيما العاطلين والفقراء والمهمشين، وما قد يتبع ذلك من تأثير على الوضع الامني في البلاد.. تقلبات سياسية من الناحية السياسية، ستكون الامور مرشحة أيضا لمزيد التقلبات والأزمات، بعد الازمات الاخيرة التي مرت بها البلاد. وهو ما من شأنه أن يمثل عامل ارباك لحكومة الشاهد التي مضى على تعديل فريقها حوالي اسبوع خصوصا ان عديد الاطراف السياسية المعارضة أعلنت مساندتها للاضراب العام. كما يتوقع مراقبون أن يستغل خصوم الشاهد هذا الاضراب لمزيد انتقاده ومزيد تحميله مسؤولية تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي مزيد ارباك عمل الحكومة وربما الدعوة مرة أخرى لتغييرها. حلول ما بعد الإضراب الآن وقد حصل الاضراب العام، فان الحكومة مطالبة – لتفادي مزيد التطورات- باستنباط الحلول التي تمكنها من تجاوز هذه المآزق المنتظرة والتفكير في كيفية تمكنها من الاستجابة لمطالب الموظفين العموميين أبرزها تعبئة موارد مالية إضافية لتوفير الاعتمادات الملطوبة للزيادة في الأجور. ومن الحلول المقترحة في هذا المجال مزيد استهداف المتهربين من دفع الضرائب واستقطاب القطاع الاقتصادي الموازي نحو القطاع المنظم لتوسيع قاعدة المطالبين بأداء الضريبة إلى جانب التعامل بكل صرامة وردع مع المحتكرين والمضاربين الذين ألهبوا الأسعار وتسببوا في ارتفاع وتيرة الاحتقان والغضب لدى الموظفين (وغيرهم من التونسيين) ودفعتهم الى المطالبة بالزيادة في الاجور. وينصح الخبراء ايضا بمزيد التعامل بصرامة مع ملف الاملاك المصادرة التي بامكانها دعم خزينة الدولة وملف الاملاك العمومية وملف ديون الدولة غير المستخلصة. كما ان الحكومة مطالبة أيضا بمزيد الصرامة والجرأة والشجاعة في تطوير مردودية الاقتصاد الوطني في مختلف المجالات لا سيما في القطاعات الحيوية ( الفسفاط – الطاقة – السياحة – الفلاحة – التصدير – الخدمات) وذلك من أجل الرفع من الناتج الداخلي الخام وبالتالي تحسين موارد الميزانية لمجابهة النفقات العمومية وأبرزها طلبات الزيادة في الاجور. مزيد التفاوض مع صندوق النقد الدولي يطرح مختصون حلا آخر وهو مزيد التفاوض والحوار مع صندوق النقد الدولي حتى يكون أكثر مرونة في التعامل مع الحالة التونسية باعتبارها حالة استثنائية مرت فيها البلاد ولا تزال بتقلبات عديدة سببت ارتفاع تكلفة النفقات العمومية منذ الثورة الى اليوم ( انتخابات – مسار ديمقراطي انتقالي – ضغوطات طلبات الشغل مباشرة بعد الثورة – عدم استقرار سياسي – تنامي الفساد – ضربات ارهابية – اضرابات ..). وهو مطالب ايضا بالأخذ بعين الاعتبار تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين جراء تراجع سعر صرف الدينار وارتفاع الاسعار في الاسواق العالمية ومن المفروض ان لا يتشدد كثيرا في الشروط المفروضة على تونس وان يمهلها فترة أخرى حتى لا تتعقد الاوضاع أكثر خاصة على الصعيد الاجتماعي.