في الوقت الذي يتطلع فيه المواطنون الى تحقيق انتظارات طال امدها والاستجابة الى ما يطرحونه يطلّ سليم الرياحي الأمين العام لحركة «نداء تونس» في «طلعة» غريبة تتمثل في رفع دعوى قضائية إلى المحكمة العسكرية يتّهم فيها رئيس الحكومة وشخصيات أخرى بالسعي إلى تنفيذ إنقلاب. تونس- الشروق- : خلفت التهم التي وجهها الامين العام لحزب نداء تونس سليم الرياحي الى رئاسة الحكومة بالتحضير الى الانقلاب موجة من الاستياء ادخلت الممارسة السياسية في مرحلة العبث في اللحظة التي ينتظر فيها المواطنون من الاحزاب الحاكمة تحقيق انتظاراتهم بدلا من تعكير الاجواء والهاء الناس بمواضيع سيتضح في ما بعد ان لا قيمة لها سوى الصراعات بين الأشخاص ومزيد الانخراط في العبث السياسي. وما من شك أن لهذا العبث السياسي انعكاسا مباشرا في فقدان المواطن الثقة في النخب السياسية طالما أن العرض السياسي اجمالا يخلو من أي برامج وتصورات سوى المشاحنات والحسابات الضيقة وضرب الخصوم و الاصطفافات في المحاور الداخلية والخارجية التي لم تكن يوما جوهر الفعل السياسي الذي يروم أن يكون فن الممكن و أقصى الممكن، ضمن حدود القدرة والاستطاعة، والظروف المتاحة، والإمكانات المتوفرة، والواقع المتعين، وقابليات الإنجاز وفق الفيلسوف الايطالي ميكافيللي. وفي محطة الانتقال من المنظومة السياسية التي افرزتها انتخابات 2014 وما ستفرزه المنظومة الجديدة طفت الصراعات الحزبية على المشهد السياسي وانفرط عقد التوافقات وحل محله صراع الملفات والاتهامات والتشكيك والتصعيد علاوة على الانحدار بالخطاب السياسي نحو الحضيض بشكل بات يهدد فعليا السلم الاهلي ويمس من مؤسسات الدولة ويضرب في العمق العلاقة بين الفاعلين السياسيين، فمن المسؤول اليوم عن العبث السياسي المتصاعد؟ تأثيرات نظام الحكم وفقدان التجربة الديمقراطية وفي استقراء لمستوى الخطاب السياسي ونوعية العلاقة بين الفاعلين السياسيين اصبح «من البديهي» ملاحظة التدرج في منسوب الاخلالات والانخراط في الشتائم والسباب وفضاء البرلمان يشهد بذلك في محطات عدة آخرها تعليق نائب عن تسريحة شعر وزير أو تشابك بالأيادي بين نائبين تحت قبته أو أن يتم تجاوز مؤسسات القضاء في صراعات سياسات كالتي تجري في علاقة بالكشف عن الجهاز السري أو اتهام سليم الرياحي الحكومة بالانقلاب. ويستدل من هذا العبث كما يبرز ذلك خبراء القانون الدستوري أن نظامي الاقتراع والحكم لهما انعكاسات كبرى على ترذيل الفعل السياسي حيث أن مواصلة المضي في خيار التمثيل النسبي وتشتيت الصلاحيات بين مؤسسات الحكم من شأنه ان يؤجج الصراعات السياسية مستقبلا وينذر بالاسوأ طالما أن المشهد يفتقد لاحزاب فاعلة ومؤسسات قوية على غرار المحكمة الدستورية وايضا لمراكمة المسار الديمقراطي الذي لا يزال في مهد العملية الانتقالية. تعاظم ثقافة تجاوز القانون ولمّا كانت «النخب السياسية» هي احدى التعبيرات الاجتماعية للمناخات العامة ما بعد الثورة فان لما نشهده بشكل يكاد يكون يوميا من محاولات مستمرة لاضعاف الدولة وضرب تماسكها عبر مظاهر الفوضى والتسيب تمظهرات واضحة على طبيعة النخبة السياسية التي لا تتورع اليوم عن امعانها الانخراط في الحسابات الضيقة والشخصية وتجاوز القوانين بشتى الطرق سواء في تمويلات احزابها أو في فعلها السياسي الذي بات يخضع لاجندات شخصية لا تنشط سوى في ضرب خصم أو عرقلة آخر. وجزء كبير من نخبة ساسة اليوم يقدم صورا سيئة ومتعددة لتجاوز القانون بل ويؤسس بذلك الى ثقافته داخل المجتمع ومنها حالات تضارب المصالح و ممارسة الضغوط بالملفات و ممارسة اشكال العنف المادي واللفظي على الملإ. قلة الوعي وفقدان مدونة السلوك كما يرى عدد من الناشطين السياسيين أن ضعف هيكلة الاحزاب انتج قلة وعي داخلها بطبيعة المسؤولية المناطة بعهدتهم حكما ومعارضة، حيث أنه ليس من دور المعارضة سوى تشخيص الواقع ومجرد ابراز الهنات ولا من دور احزاب الحكم أن تترك برامجها بحثا عن تأجيج الصراعات في مابينها، ولقد كان لتطور هذه المناخات من الانقسام وعدم الجدية دور في انتاج نخبة انتهازية تتنقل كما تشاء بين الاحزاب والكتل النيابية بداعي انغلاق الافق السياسية ومازاد الوضع تعقيدا فقدان الفاعلين السياسيين الى مدونة سلوك سياسي وبرلماني تحدد مستوى التعامل في مابينهم وتكفل الحد الادنى من الاحترام في التعامل والمحافظة على السلم الأهلي. في المحصلة يبدو الفعل السياسي في تونس قد دخل مرحلة العبث وماينذر بالأسوإ أن أسبابه ومسبباته ما تزال قائمة بل وتتغذى أيضا «بحمى» الانتخابات القادمة التي تزيد في حجم الصراعات الشخصية التي ستكون للناخبين فيها كلمة الحسم أو على الاقل جزء من الناخبين طالما أن هذا العبث يزيد في نسب العزوف عن السياسة مشاركة وانتخابا بل ربّما قد يدفع البلاد إلى المجهول. القضاء العسكري يأذن بفتح بحث في شكاية الرياحي أفادت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري، مساء امس، أن وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية العسكرية الدائمة بتونس، أذن بفتح بحث مؤقت وذلك بعد الإطلاع على الشكاية التي تقدم بها أحد المحامين النائبين عن الأمين العام لحركة نداء تونس سليم الرياحي ، والتي ينسب فيها لرئيس الحكومة والمدير العام للأمن الرئاسي وأطراف أخرى، التآمر على أمن الدولة الداخلي. وأضافت وكالة الدولة العامة أن قاضي التحقيق العسكري سيتولّى البحث في جملة الإدعاءات، للوقوف على مدى صحّتها، مشددة على أن القضاء العسكري هو قضاء مستقل ومحايد ويقف على المسافة ذاتها من جميع الأطراف، داعية الى ضرورة النأي بالمؤسسة القضائية العسكرية عن كل التجاذبات والمزايدات السياسية وعن مناقشة حيثيات القضية على المنابر الإعلامية وذلك احتراما لمبدإ سرّية التحقيق وتجنّبا لكل التخمينات والمغالطات التي من شأنها التشويش على الأبحاث والتأثير على سير القضيّة.