مشروع قانون سلامة المواد الغذائية ما زال في الرفوف رغم تفشي الفساد والمافيات الغذائية المستهلك متواطئ بصمته.. وانهيار القيم والبحث عن الربح السريع أحد أضلع الفساد تونس الشروق، من اللحوم الفاسدة والمصابة بالسل، إلى «الزقوقو» القادر على تسميم العائلات، وصولا إلى الموالح الفاسدة و«القاطو» المغشوش لا سيما في رأس السنة، تتنوع طرق الغش و«الإرهاب» الغذائي، وتنتعش في المناسبات، وهو ما يطرح التساؤل حول مسؤولية المراقبة. أكثر من 165 طنا من المواد الفاسدة المختلفة غير القابلة للاستهلاك تم حجزها في سنة 2017. كما تم اكتشاف لحوم ودواجن متعفنة ومصابة بأمراض متعددة منها السل، إضافة إلى مواد تالفة وفاسدة تباع للمستهلك، ومواد مغشوشة مصنوعة بالمواد الضارة من ملونان وآجر ومواد غير مطابقة. وكانت «الشروق» قد كشفت في أعداد سابقة عن قيام وحدات الشرطة البلدية بالقصرين بحجز حوالي 300 كيلو غرام من اللحوم الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك. لكن هذه العملية ليست الأخيرة ولا الوحيدة. ولم يتوقف مسلسل بيع المغشوش والتالف والمريض، وتشير الأرقام إلى تطور في كميات المحجوزات وأعداد المخالفات. ولعل ما يحجز يشير إلى بضائع مضاعفة لم تتمكن المراقبة المحدودة من حيث العدد والإمكانيات من كشفه وهو ما لم تنفه مصادر مختلفة من أجهزة الرقابة الموزعة بين الوزارات. رقابة وقانون يبدو أن هناك إشكالا كبير يتعلق بالمسألة القانونية المتعلقة بمهام ومسؤوليات كل جهاز رقابي من ناحية، وبالعقوبات التي نص عليها القانون والتي تجرم المخالفين من جهة ثانية. وهنا نشير إلى جملة الثغرات القانونية المتعلقة بالجرائم الغذائية التي يتعرض لها المستهلك التونسي. وتدين الأجهزة الرقابية ضعف التشريعات القانونية التي لم تساهم في دعم عملها وبالتالي لم تتمكن من ردع المخالفين كما يجب، وكما يجب فعله لإنذار من تخول له نفسه بالتلاعب بصحة المواطن. ويذكر أن العقوبة القصوى للمخالفين وفق قانون 1991 تتراوح بين 60 دينارا و 200 دينار. كما تدين مصادرنا قلة الموارد البشرية الرقابية حيث لا يتجاوز عدد المراقبين في الصحة العمومية 600 عون موزعين على كامل أنحاء الجمهورية، وهو نفس العدد في وزارة التجارة تقريبا. وعموما يبدو الإشكال الأكبر حسب المطلعين على أزمة الرقابة ونقائصها، في غياب هيكل موحد يجمع جميع الهياكل المكلفة بسلامة وأمن التونسيين الغذائي. وهي مسألة قانونية موضوعة أمام مجلس النواب للدرس. أما في ما يتعلق بدور منظمة الدفاع عن المستهلك وأجهزة المجتمع المدني فهو أيضا عنصر يتخلله الكثير من الإشكاليات القانونية والمادية. ويذكر أن مصادر من هذه المنظمة كانت قد كشفت نقص الموارد المالية والأزمات التي مرت بها والتي تحد من قيامها بدورها المطلوب. درجة سلامتنا أشار مدير للمعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية من خلال دراسة للمعهد إلى أنه ومن أجل سلامة الأغذية سواء المصنعة، أو المعروضة في المحلات المفتوحة للعموم، تقوم عديد الهياكل الرقابية، خاصة إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط، إدارة الجودة وحماية المستهلك، مصالح الشرطة البلدية، مصالح الشرطة البيئية، الحرس البلدي، و وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري... بحملات ومراقبة دورية، وتقوم بعمليات حجز وفي بعض الحالات إتلاف المنتجات التي تمثل خطرا على صحة المواطنين. من جهة أخرى سيمثل القانون المتعلق بالسلامة الغذائية للمنتجات وسلامة أغذية الحيوانات، المعروض حاليا على أنظار مجلس نواب الشعب، إطارا تشريعيا هاما لتطوير الرقابة، وتوحيد مختلف الأجهزة في وكالة لسلامة الغذاء. مسألة قيمية كان رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله قد تحدث في تصريح له عن الدور الموكول للمستهلك نفسه في العملية الرقابية، حيث أنه كثيرا ما يلقي ما يجده تالفا أو فاسدا في سلة المهملات. ويصمت دون التبليغ على من تسبب له في الضرر المادي والصحي. كما أن ما ساد فترة ما بعد الثورة من إخلالات وفوضى وتعنيف للمراقبين قد ساهم في عبث المافيات والمتاجرين بالصحة. أما المختص في علم الاجتماع وعلم النفس الدكتور تريعة فقد اعتبر أن كثرة الفساد في الأغذية والإرهاب الغذائي لا يعود فقط إلى مسؤولية الرقابة بل إن المسألة قيمية تتعلق بتراجع القيم وغلبة ثقافة الربح السريع والأنانية الباحثة على المال ولو على حساب صحة ومال الآخر. ورغم الانتقادات الموجهة لأجهزة الرقابة فالواضح أن هناك تحسن في مؤشرات السلامة من خلال تقرير للمعهد الوطني للاستهلاك ذكر أنه وحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة حول الأمن الغذائي، فقد سجلت تونس تطورا هاما ومرت من 57.3 سنة 2012 إلى مستوى 60.9 سنة 2018 محتلة بذلك المرتبة 51 عالميا. ورغم الاتهامات التي تلقاها المراقبة في موضوع تفشي المخالفات الصحية، إلا أن الواضح أن المسألة متعددة الجوانب وفي حاجة إلى مراجعة قانونية وهيكلية واستراتيجية، بل وإلى مراجعة العقليات نفسها. لطفي الرياحي (المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك):ضعف دور الدولة.. وإشكاليات قانونية لا ننفي عمل أجهزة الرقابة بين شرطة بلدية ووزارة التجارة ووزارة الصحة. لكن هناك إشكال في تطبيق القانون وتفعيل دور الرقابة من خلال توفير الآليات القانونية والمادية. لم لا تصبح الرقابة في تونس مثل ما يحدث في سويسرا حيث تتضاعف قيمة الخطايا المالية كي يرتدع الجميع. وأن تكون العقوبات صارمة. عموما القانون المقترح بتوحيد هياكل المراقبة قد ينجح في إلقاء المسؤولية على الجهاز الرقابي المتعدد من حيث الفاعلين حاليا. نلاحظ فعلا كثرة التجاوزات الصحية وعدم احترام قواعد السلامة. وأصبح الشاذ هو من يقوم باحترام شروط صحة وسلامة المستهلك. وأصبح الاستثناء في من لا يغش ولا يحتكر. وبرزت هذه الفئة التي تنتفع على حساب صحة التونسي، وهذا يعود إلى أن الدولة لا تتحكم في مسالك التوزيع، وفي مراقبة جميع ظروف التخزين. ولا يتم مراقبة طرق نقل البضائع التي قد تؤدي إلى إتلاف البضائع وفسادها. الأكيد إذن أنه في غياب الرقابة والقانون سنثير إشكاليات اللحم الفاسد بسبب غياب ظروف الرقابة في المسالخ والذبح العشوائي، ومشاكل الزقوقو غير المحفوظ. الحل في الردع ومضاعفة الخطايا المالية. وتكثيف اللجان المشتركة مبدئيا في المراقبة. محمد الرابحي (مدير إدارة حفظ الصحة وحماية المحيط) هيكل جديد يجمع أجهزة المراقبة المراقبة متهمة بالتقصير بعد حجز اللحم الفاسد المصاب بالسل والزقوقو المسموم، فما هو ردكم على هذه الاتهامات؟ - الزقوقو المحجوز هذا العام يمثل 1 بالمائة من الكميات غير المطابقة للمواصفات، مقابل 5 بالمائة السنة الماضية. ونقوم بحجز اللحوم لأسباب متنوعة منها بروز علامات التعفن أو عدم تبريدها، وطرق الذبح والمراقبة في المسالخ البلدية وطرق التخزين، إضافة إلى اكتشاف الحيوانات المريضة. وتمثل اللحوم الحمراء والبيضاء حوالي 10 بالمائة من المحجوزات. ما يلاحظه المواطن ويثير في نفسه الاشمئزاز هو ما نكشفه كأجهزة مراقبة ونحجزه. لكن لا ننفي أن هناك إشكالا هيكليا قانونيا يتمثل في تعدد الهياكل الرقابية، وتوزيعها على أكثر من مصلحة ووزارة. وليست كل الهياكل مؤهلة وتمتلك نفس الكفاءة. المراقبون في وزارة الصحة يخضعون لتكوين مستمر متواصل، وعامل النجاعة والكفاءة متوفرة. لكن هذا لا يعني أن بإمكان 600 مراقب صحي في الجمهورية تغطية كل المحلات. الأكيد أن الامكانيات البشرية والمادية ناقصة. هناك قانون جديد في مجلس النواب وهو قانون السلامة الصحية للأغذية سيقوم بإحداث هيكل يجمع هياكل المراقبة، وهو ما يمكن من تحميل المسؤولية لهيكل واحد. هل تؤكدون تطورا في نسبة المواد الفاسدة والمنتجات المعروضة غير القابلة للاستهلاك ؟ - نلاحظ فعلا ارتفاع نسب المواد التي تم حجزها والمواد الفاسدة في فترة ما بعد الثورة. وقد ارتفعت النسبة سنة 2018 مقارنة بسنة 2017 وذلك لتكثيف دور المراقبة. وقد سجلنا سنة 2018 أكثر من 1800 حالة تسمم. لكن ما نلاحظه أيضا هو كثرة التسممات الغذائية بصفة خاصة في الوسط العائلي، حيث بلغت سنة 2017 ، 984 حالة. وتشكل التسممات العائلية نسبة 72 من جملة التسممات التي نحصيها. أما في ما يتعلق بالتسممات عموما التي نحصيها فنجد أن نسب التسممات توجد في المواد المطبوخة والسريعة بنسبة 50 بالمائة وفي الحليب بنسبة 18 بالمائة وفي المرطبات بنسبة 11 بالمائة. نلاحظ انتشار التجاوزات والمواد الفاسدة في المواسم والمناسبات، وكذلك في بقية فترات العام، فماهي الأسباب ؟ - الأكيد أنه وعند ارتفاع نسب الاستهلاك يكثر المتدخلون في بيع المواد الاستهلاكية وتكثر التجاوزات. كما تعود أسباب تطور نسب المواد الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك إلى عوامل عديدة منها تطور المراقبة وانتشار الإعلام. فقد ارتفع عدد زيارات التفقد من 230 الف زيارة سنة 2017 إلى 252 الف زيارة هذا العام. وهذا التطور يؤدي إلى ارتفاع نسب إغلاق المحلات والإنذارات. كما تجاوزنا غلق ألف محل مفتوح للعموم. وتم حجز 229 طن من المواد غير الصالحة للاستهلاك مقارنة ب2017 حيث ( 188 طن). وتطور عدد التحاليل المخبرية لعينات المواد التي شكت أجهزة المراقبة الصحية في سلامتها. قمنا ب 24.500 تحليل، وقد تطور الرقم مقارنة بالعام الماضي. وهي مؤشرات على تطور دور المراقبة. كثرة المحجوزات والمخالفات دليل على تطور المراقبة واستعادتها لمكانتها بعد ما عرفته من صعوبات في2011 إضافة إلى دور الإعلام في كشف ما نقوم به. وهذه مسألة إيجابية. فالإعلام شريك فاعل. 1991 هو تاريخ صدور القانون الذي يدين المخالفين في الجرائم الغذائية بخطايا تتراوح بين 60 و200 دينار 1800 حالة تسمم غذائي في 2018 10 ٪ من المواد الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك في إدارة حفظ الصحة وسلامة المحيط هي من اللحوم الحمراء والبيضاء 229 طنا من المواد الفاسدة تم حجزها هذا العام من المواد الغذائية الفاسدة 252 ألف زيارة تفقد من المراقبة الصحية من بداية 2018 إلى منتصف شهر نوفمبر، من 600 إطار رقابي 1000 محل عمومي تم غلقه بسبب مخالفات صحية فادحة هذا العام