تعيش تونس منذ سنوات على وقع صراعات سياسية عديدة، غير أنها لم تكن بسبب التنافس حول الأفكار والبرامج أو حول المشاكل الحقيقية للبلاد بل فقط من أجل «كراسي» 2019. تونس الشروق: تدور منذ أشهر صراعات ومعارك سياسية عديدة ألحقت أضرارا كبرى بالاقتصاد وأربكت كل شيء تقريبا في البلاد وسئمها التونسيون ونفروا بسببها الممارسة السياسية والانخراط في الشأن العام. هذه الصراعات والخصومات شملت كل الاطراف السياسية دون استثناء لكن المثير هو انها ليست بسبب الحلول البديلة المقترحة لانقاذ الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بل كانت تهدف فقط من أجل «الإطاحة»بالآخر بكل الطرق الممكنة والاستعداد لانتخابات 2019. «صفر» فكر سياسي على امتداد السنوات الماضية لم يتضمن نشاط أي حزب سياسي في البلاد برنامجا واضحا يهم الشأن الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي او غيره.. فالمتمعن طيلة الاعوام الماضية (خاصة في العام الأخير) في بيانات الاحزاب أو في مضامين مداخلات ممثليهم في المنابر الاعلامية او بمناسبة الاجتماعات او اللقاءات الشعبية لا يعثر على أثر لأي فكر سياسي واضح يرتكز على أفكار برامج او مشاريع أو بدائل من أجل الاصلاح والانقاذ. ومقابل ذلك حضرت المضامين المتشنجة القائمة أساسا على استهداف الآخر وتشويهه واستهدافه بالاشاعات بالتهم المختلفة – منها تُهم خطيرة تُهدّد أمن واستقرار البلاد - او اختلاق الأكاذيب التي قد تضرب صورة البلاد في الخارج وتشوه سمعة الدولة وتضر بالاقتصاد والسياحة ، وذهب البعض حد المس من الاعراض او من الشؤون الشخصية والعائلية وبذلك ظلت المصلحة الوطنية ضمن آخر اهتمامات هؤلاء. صراعات عقيمة لم تستفد البلاد من هذه الصراعات في شيء رغم ان كل الفرص كانت متاحة امام الطبقة السياسية التي تداولت على الساحة منذ 2011 الى اليوم لتحقيق نقلة في كل المجالات. فسياسيو ما قبل 2014 ( الفترة الانتقالية) خاضوا صراعات عديدة فقط من أجل حماية مصالحهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية دون ان يقدم أي منهم مشروعا سياسيا او فكرا اقتصاديا وتنمويا واضحا. وانتهى كل ذلك بادخال البلاد في دوامة خيارات سياسية ثبت اليوم فشلها (النظام السياسي – النظام الانتخابي – إضاعة وقت طويل في كتابة الدستور وفي إعادة التأسيس..). أما سياسيو ما بعد 2014، فقد زادوا الطين بلّة من خلال مواصلة الصراع والعراك العقيم وفشلت منظومة الحكم، رغم ما لها من شرعية انتخابية ودستورية ورغم حالة الهدوء والاستقرار في تحقيق الإصلاحات والانتظارات، وفشل بقية السياسيين في تقديم الحلول والافكار البديلة وتواصل الأمر على هذا النحو إلى اليوم. 8 سنوات ضائعة بسبب ذلك، أضاعت البلاد طيلة 8 سنوات وقتا طويلا دون ان تتحقق الأهداف المنشودة في المجال الاصلاحي بسبب انشغال مختلف هذه الاطراف بالصراعات والتجاذبات السياسية فقط من اجل بلوغ كراسي السلطة، وبذلك تحوّل العمل السياسي إلى عامل إلحاق مضرة بالبلاد وبالشعب. ففي الوقت الذي اشتدت فيه حاجة البلاد والشعب للطبقة السياسية من أجل الاصلاح والانقاذ وتقديم الحول والافكار خاصة خلال الفترة الحالية (نهاية السنة) التي تستغلها كل الدول من أجل التحضير الجيد للعام الموالي (مراجعة الاخطاء – محاسبة المسؤولين – اعداد الميزانيات والمخططات التنموية والبحث عن مصادر التمويل..)، واصل السياسيون السير في مسار الصراعات والخصومات والاهتمام المفضوح بالاستعداد المبكر لانتخابات 2019 دون تقديم أفكار وحلول واقعية للأزمات التي تتخبط فيها البلاد.. فالنقاش هذه الأيام حول الميزانية يدور وسط حالة من الاحتقان السياسي لدى كل الأطراف ووسط التشنج والتقلبات اليومية والاتهامات المتبادلة. والوزراء الجدد الذين من المفروض ان التحوير الوزاري الأخير جاء بهم من أجل حث نسق الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي وجدوا أنفسهم يباشرون مهامهم وسط أجواء سياسية محتقنة وغير مشجعة على الاجتهاد والعمل. وكل ذلك أثر أيضا على السير العادي لبقية دواليب الدولة لا سيما الإدارة والمؤسسات العمومية وأثر على نسق نشاط القطاع الخاص وأثر على اهتمام المواطن بالشأن العام وخاصة بالنشاط السياسي.. تجربة في خطر انشغال السياسيين بالصراعات على حساب المصلحة الوطنية العليا جعل المواطن يستقيل من الشأن العام ولا يتابع أو يراقب السلطة التي انتخبها ويشعر بعزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة وهو ما يهدد التجربة الديمقراطية التي تخوضها تونس منذ سنوات الى جانب تهديد الوضع الاقتصادي.. فالمواطن لا ينتظر من السياسيين غير الافكار والرؤى والحلول الاصلاحية من أجل تحسين وضعه. 8 سنوات من الصراعات دون جدوى ما تعيشه الساحة السياسية اليوم ليس بجديد بل دأب عليه السياسيون منذ 2011 الى اليوم وفي كل مرة يكون الانشغال بالانتخابات هو الطاغي على تحرّكات السياسيين.. ففي سنة 2011 عاشت الساحة السياسية على وقع صراعات ومعارك مختلفة وكان الهدف هو ضمان تموقع إثر انتخابات المجلس التأسيسي. وطوال سنوات 2012 و2013 و2014 تكرر السيناريو نفسه وخاض السياسيون خصومات ومعارك مختلفة فقط من أجل ضمان موقع إثر انتخابات 2014 وليس من اجل التنافس حول الافكار والمشاريع. ومنذ حوالي عام بدأ الصراع يتمحور حول انتخابات 2019 بالطرق نفسها وللأهداف نفسها وهي البحث عن التموقع وعن كراسي السلطة، وفي كل مرة تكون المصلحة الوطنية العليا آخر الاهتمامات.