لا يهدأ الجدل حول انتخابات 2019 حتى يتصاعد من جديد ملقيا على الساحة السياسية بظلال كثيفة... وفاتحا المجال لسيل من المناكفات والتجاذبات وحتى التراشق بالتهم وكلها لا تزيد إلا في إرباك مشهد مربك بطبعه... وفيه من التداخلات والتناقضات والمعارك السياسوية الضيقة ما يجعل المواطن يدير بظهره للسياسة وللسياسيين.. لتبدو في الأخير الطبقة السياسية بمعاركها وتجاذباتها في واد والمواطن بانتظاراته وشواغله ومشاكله في واد آخر... هذا المشهد يطرح فوق هذا مفارقة عجيبة غريبة...مفارقة مفادها أن جل المتصارعين على انتخابات 2019 قد أخذوا فرصهم منذ 2011 وحتى الآن. وقد توحّدوا كلهم في الفشل ولم تظهر «عبقرياتهم» إن صحّ أن نسميها كذلك إلا في تنفيذ سياسات مرتبكة وعقيمة لم تؤد إلا إلى مفاقمة مشاكل المواطن التونسي وإلى تعميق أزمة اقتصاد البلاد وتسريع وتائر انهيار عملتنا الوطنية وكل هذه مؤشرات تشي بأن البلاد برمتها باتت تقف على حافة انهيار مدوّ قد يتحوّل الى انهيار شامل يعصف باستقرار البلاد ويطيح بالتجربة برمتها. وقد شهدت البلاد يوم أمس فصلا جديدا من فصول هذه المسرحية الهابطة التي يصر ساسة هذا الزمان على تمثيلها أمام الشعب رغم ما يبديه من عدم اكتراث وقلّة مبالاة... تدور أحداث هذا الفصل المسرحي حول «البيع المشروط» كمفهوم تمت استعارته من حوانيت المواد الاستهلاكية الى حوانيت السياسة... وبمقتضى هذا الفصل نطق الأول واصفا طلب حركة النهضة من رئيس الحكومة الالتزام بعدم الترشح لانتخابات 2019 لتستمر في دعمه ب«البيع المشروط» الذي يلجأ بعض التجار لترويج بضاعة كاسدة مع أخرى تجد رواجا... وردّ عليه الثاني بأن حزبه «يبيع الحليب وحده والياغورت وحده» في إشارة الى أن حركته تريد التفريق بين رئاسة الحكومة والترشح للانتخابات القادمة. أين مشاكل التونسي ومشاغله وسط كل هذا؟ أين انتظاراته وأين الحلول المقترحة لمشاكله المتكدسة؟ مشاكل تبدأ بانهيار قدرته الشرائية وعربدة الأسعار وانهيار الدينار وتعب الاقتصاد وتفاقم البطالة ومعاناة الفلاحين وتراجع التعليم وضعف الخدمات الصحية وفقدان الدواء.. وغيرها من الأمراض المزمنة التي يكتوي بنيرانها التونسيون والتونسيات والتي ينتظرون دون فائدة ان ينكبّ عليها السياسيون وأن يتنافسوا ويتجاذبوا ويختلفوا من أجل بلورة حلول جذرية لها وبدائل تقطع مع فشل كل هذه السنوات العجاف. هل من عاقل يعيد العقل الى هذه الطبقة السياسية المخمورة بحب السلطة والمسكونة بهواجس المغانم والمنافع والكراسي؟ هل من عاقل يعيد للساسة رشدهم وللسياسة بريقها ودورها كأداة لخدمة المواطن وليس مطية لركوب الوطن والمواطن.. ان وجد هذا العاقل فهو من سيرشحه الشعب لانتخابات 2019.. وهو من سينتخبه بأغلبية ساحقة.