تونس (الشروق) تعيش على وقع الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشّعب الفلسطيني وتم عشية السبت الماضي بسفح جبل سمامة في سبيطلة من ولاية القصرين وتحديدا بفضاء المركز الثقافي الجبلي للفنون والحرف، تدشين «هضبة محمود درويش». هضبة الشاعر الكبير محمود الدرويش أشرف على تدشينها سفير فلسطين في تونس هايل الفاهوم وممثلو الفرع الجهوي للمحامين و عدد من الفنانين وناشطي المجتمع المدني. منجز يعكس عمق ما يكنه الشعب التونسي من تقدير لنضالات الشعب الفلسطيني الأبي. نضالات ساهمت الجماهير في تونس في مراكمتها على مر التاريخ. وفي تحليل نشر له سنة 2016 بصحيفة الوطن العمانية، يعود بنا رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس، الدكتور احمد القديدي، الى بداية الحكاية لما يقول « كلما جد جديد في الملف الفلسطيني أجد نفسي مضطراً - كمواطن عربي - إلى استعادة شريط من الملحمة الفلسطينية وأطوارها من منظور تونسي بسبب المواعيد التاريخية التي ربطت بين فلسطينوتونس في منعرجات حضارية عديدة، مؤمنا بأن الدبلوماسية التونسية الراهنة باتجاه محيطنا العربي وبإرادة القيادة التونسية تعتمد أساساً على خدمة قضيتنا الأم بما يتاح لتونس بفضل موقعها من إمكانات إقليمية وقدرات ذات بعد أوروبي. فقد واصلت السياسة العربية التونسية وبأوفر حظوظ التوفيق نفس التوجهات التونسية الحكيمة والملتزمة التي جمعت بين العاطفة القومية الطبيعية والمشروعة وبين استعمال أداة العقل التي تمنع التخبط العشوائي و الأوهام. وهذه السياسة التونسية مع قضيتنا الفلسطينية بدأت عام 1948 حين تطوع آلاف من شبابنا التونسي وطلاب جامعة الزيتونة للمشاركة في حرب أطلق عليها في ذلك الزمن نعت حرب فلسطين، بعد أن شرعت القوى الإمبريالية والاستعمارية في هندسة وتنفيذ ما نسميه النكبة أي احتلال فلسطين. فقد استشهد عدد من شباب تونس في القدس وحيفا ونابلس ثم كان ما كان من بداية الهجرة الكارثية وممارسة التطهير العرقي دون أن نسميه باسمه الحقيقي. وقاد الرئيس الراحل عبد الناصر وحده بقية الأزمة إلى أن ضاعت كل فلسطين في حرب الأيام الستة (يونيو 1967) والتي نعتها الرئيس التونسي الراحل بورقيبة أمامي وأمام عدد من الشهود بحرب الساعات الستة، ونترك للمؤرخين النزهاء مهمة تصنيف تلك الحرب- الزلزال كحد فاصل بين غياب الوعي العربي وعودته». من أريحا الى واد الزرقة يعتبر الدكتور احمد القديدي ان بورقيبة كان واقعيا في تعاطيه مع القضية الفلسطينية مذكرا في هذا السياق «لكن تونس كانت على موعد قبل تلك الحرب مع القضية الفلسطينية وبالتحديد يوم 11 مارس 1965 حين أعلن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة في مخيمات أريحا أمام الفلسطينيين بأن الطريق نحو التحرير يجب أن تعتمد على العقل واستراتيجية حكيمة وذكية تعترف بالقانون الدولي لجلب تعاطف الرأي العام الدولي ووضع «إسرائيل» في موضع الرافض لذلك القانون، لكن بشرط تمسك الفلسطينيين أنفسهم أصحاب الحق وأمناء القضية بالغاية وتقبل سياسة المراحل، وقدم الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة آنذاك لإخواننا في فلسطين نموذج الكفاح التونسي ضد الاستعمار الفرنسي الذي راوح بين التكتيك السياسي وبين حرب العصابات فيما كنا نسميه بالجبهة المسلحة وهذا النموذج، كما قال بورقيبة في مخيم أريحا، أثبت نجاعته وبلغ بالشعب التونسي مرفأ الاستقلال - المنقوص عام 1956 والكامل عام 1964 باستكمال الجلاء الزراعي - وكان بورقيبة في تلك المقاربة يستلهم من تجارب تحرير تونس والمغرب العربي والتي أوصلت جيله إلى تحقيق الهدف المنشود. وأراد من منطلق المسؤولية القومية أن يجنب العرب ما وقعوا فيه بعد ذلك من حروب غير مدروسة ومواقف تورطهم وضياع للأرض الفلسطينية التي كان بورقيبة يخشى أن تؤول إلى ما آلت إليه الأندلس. ويعرف أبناء جيلي من العرب ما نال الرئيس التونسي من الشتائم والتهم التي غالباً ما ندم عنها مكيلوها عندما استيقظوا على حقائق العجز العربي ولكن حين لم يعد ينفع الندم!». و في غمرة الأحداث التي عاشتها المنطقة العربية بعد اعتراف مصر باسرائيل و مجزرة صبرا و شاتيلا، يؤكد القديدي بان»أزمة 1982 اندلعت حين اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان بغرض القضاء النهائي على ما بقي من قوى المقاومة الفلسطينية التي وجدت نفسها محاصرة في بيروت دون غطاء. وهنا تحركت نفس الدبلوماسية التونسية لإنقاذ الأصل أي ضمان خروج ياسر عرفات ورفاقه من أتون بيروت وفخها الرهيب الذي لم يكن ممكناً دون سوء تقدير فلسطيني وتواطؤ أطراف عربية وأوروبية وأميركية تلاقت مصالحها في ذلك الحين. وتحمس بورقيبة لاستضافة منظمة التحرير ومناضليها مع استضافة جامعة الدول العربية بعد اتفاقية مخيم داوود». احتضان... في «10 آب 1982 شهدت تونس حدثاً مهماً إذ استقبلت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وجميع عناصره الذين كانوا في بيروت إثر الحصار الإسرائيلي المفروض عليها وذلك بعد الدور الدبلوماسي الذي لعبته تونس عربياً (بعد انتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس عقب اتفاقية كامب ديفيد). خلال الأعوام 1985 و1988 و1991 قامت إسرائيل وعملائها بشن غارات على مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس، اغتالت فيها اثنين من أكبر قيادات المنظمة وهم خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد). اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية من تونس مقرا لها طوال نحو عشر سنوات، قبل أن يمهد اتفاق للسلام أبرم عام 1993 الطريق أمام عودتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.».