في الأول من أكتوبر عام 1985 كانت ضاحية حمام الشطجنوب العاصمة التونسية على موعد ومفاجأة غير سارة تمثلت في إغارة سلاح الجو الإسرائيلي بكل وحشية على المنطقة لتفرغ فيها أطنانا من القنابل الثقيلة عاثت دمارا وقتلا بين سكانها المدنيين وأشقائهم الفلسطينيين.
الذين كانوا يسكنون في المنطقة بعد استضافة تونس الكريمة رئيسا وحكومة وشعبا لهم اثر خروجهم من بيروت عام 1982 بعد صمودهم الأسطوري مع إخوانهم اللبنانيين بعد غزو الإسرائيليين بقيادة الإرهابي أريئيل شارون الذي ما زال يمكث في الغيبوبة في احد مستشفيات الكيان الإسرائيلي. كانت حمام الشط في ذلك الوقت تضم عددا من مقرات منظمة التحرير الفلسطينية من بينها مقر الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات، بعد أن أعادت تنظيم صفوفها ومكاتبها بعد الخروج من بيروت، وكان القرار الاسرائيلي مهاجمة مقرات المنظمة للقضاء على الرئيس الراحل ياسر عرفات لإطفاء جذوة الثورة الفلسطينية التي انطلقت في تنظيم صفوفها بعد انتشار مقاتليها في عدد من الدول العربية. الغارة أدت إلى تدمير عدد من مقرات منظمة التحرير الفلسطينية ومن بينها مقر إقامة الزعيم أبو عمار إضافة إلى عدد آخر من منازل المواطنين التونسيين القاطنين في المنطقة ليختلط الدم التونسيوالفلسطيني ليرسم ملحمة أخرى من التلاحم العربي الشعبي والرسمي وليؤكد أن تونس البعيدة عن أرض فلسطين آلاف الكيلومترات كانت دولة مواجهة لا بد من ضربها وقصفها لأنها احتضنت قيادة وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية (حسب المفهوم الإسرائيلي). أدى هذا القصف الهمجي الإسرائيلي لسقوط العديد من الشهداء والجرحى فلسطينيينوتونسيين ولم تفلح محاولات الكيان الإسرائيلي في اغتيال الزعيم أبو عمار في ذلك الوقت، ولذلك قصة طويلة يلعب فيها القدر والصدفة لعبة تتمثل في فشل مصالح الاستخبارات الإسرائيلية في تحديد مكان الزعيم ياسر عرفات وقت الغارة، والذي لم تكن تعلمه مصالح الاستخبارات أن الرئيس عرفات قد غير خططه في التوجه إلى حمام الشط في تلك الليلة، توجه في حينه إلى ضاحية قمرت شمال تونس حيث مقر السفير حكم بلعاوي بعد أن تم إبلاغه في مطار تونس أن هناك بعض الضيوف ينتظرونه في قمرت بموكب صغير فيما توجه بقية الموكب إلى حمام الشط حيث اعتقدت مصالح الاستخبارات الإسرائيلية أن عرفات ذهب إلى حمام الشط ونام هناك . كان القرار الإسرائيلي قد اتخذ بالقضاء على الزعيم الفلسطيني ورصدت مصالح الاستخبارات أن عرفات سيكون موجودا في مقره بحمام الشط العاشرة من صباح ذلك اليوم الأول من أكتوبر ليرأس اجتماعا للقيادة العسكرية الفلسطينية لمناقشة آخر التطورات (سياسيا وعسكريا واجتماعيا وخلافه)، وكان عرفات خارج تونس في جولة عربية وعاد إلى تونس مساء يوم 30 سبتمبر وبدلا من أن يتوجه إلى مقر إقامته ومكتبه في حمام الشط تحول إلى ضاحية قمرت لعقد اجتماع مع عدد من الشخصيات السياسية التي كانت تنتظره وتم الاجتماع المذكور في منزل السفير الفلسطيني في ذلك الوقت حكم بلعاوي واستغرق عدة ساعات، فكان القرار أن يقضي ليلته في بيت السفير بلعاوي . وبينما كان الطيران الإسرائيلي يشن غاراته الوحشية على حمام الشط معتقدا أن عرفات في مقره، كان موكب الزعيم أبو عمار قد انطلق من ضاحية قمرت ووصل مشارف حمام الأنف، وابلغ أبو عمار بالموقف وكان قراره بالاستمرار في التقدم ليصل إلى حمام الشط ليجد أن مقر إقامته ومكتبه قد تم تدميرهما بالإضافة إلى عدد من المقرات الأخرى وعدد من منازل المواطنين التونسيينوالفلسطينيين، وسارعت كل المصالح المختصة في تونس وعلى كافة المستويات الرسمية والشعبية لانتشال الشهداء وإنقاذ الجرحى من بين الركام وإرسالهم إلى المستشفيات، وكان الرد الشعبي التونسي غاضبا ومزمجرا وخرجوا في مسيرات ضد آلة الغزو الصهيونية، إلى جانب الرد التونسي الرسمي الذي كان على درجة عالية من الغضب حيث هدد الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة في ذلك الوقت وبكل عزة ونخوة العربي بأنه إذا قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لعرقلة إدانة إسرائيل فسوف يكون الرد بقطع علاقات تونس الدبلوماسية معها، وليصدر القرار عن مجلس الأمن بإدانة العدوان الإسرائيلي على تونس.