عندما تخرج من مسرحية «كف آر» سيبقى بذهنك طرح ثلاثي مفاده أن الماء هو محرك الحروب الراهنة في العالم، مع تحذير من «الإرهاب»، ودعوة إلى إعادة النظر في الدولة القومية. تونس (الشروق) احتضن المسرح البلدي بالعاصمة مساء أول أمس الثلاثاء 04 ديسمبر 2018، العرض الأول لمسرحية «كف آر» للمخرج المسرحي محمد أحمد الكشو، عن نص لهيفاء بولكباش ومحمد العوادي، وإنتاج شركة مسارات سعيد للممثل محمد سعيد، بدعم من وزارة الشؤون الثقافية وبالاشتراك مع الإتحاد العام التونسي للشغل وجريدة الشعب، ويجمع هذا العمل على الركح، كلا من البحري الرحالي ومصطفى القضاعي وفاطمة الزهراء المرواني وشاذلي الطاغوتي وهيفاء بولكباش وأوس إبراهيم وسرور نوير وسلمان السعداوي ومحمد العوادي. «يشهد العالم صراعًا مستميتًا إثر ادعاء إرهابي بتلوث مصادر المياه مما يؤدي إلى انتشار الفوضى والدمار، وتحاول مجموعة من الناجين من بين هذا الدمار البحث عن مصدر مياه نقية في المنطقة التي يستوطنونها، لكن مع تسلسل الأحداث ينزل عندهم زائران ، ويتحول كلاهما إلى أداة اختبار للنجاة، حيث يجب اختيار من يصلح من وجهة نظرهم لبناء مدينة المستقبل»، هكذا لخص الكشو خرافة مسرحيته. في مسرحية «كف آر» حاول محمد الكشو بمعية مؤلفي نص العمل الربط بين ثلاث قضايا راهنة، وهي قضايا «الدولة القومية» والقضية العالمية الراهنة والمستقبلية «الماء» وقضية الحال «الإرهاب»، والتي كان الخطاب بشأنها مباشرا وذلك عبر تكرار التحذير ممن سماهم في العمل «أصحاب الرايات السود»، وفي هذا إشارة إلى حدث آني مقصود أو غير مقصود ذلك شأن آخر وهو أحداث «أصحاب السترات الصفراء» في فرنسا. المدرسة «البرشتية» تنطلق المسرحية في وسط عائلي يترأسه الأب «شعيب» (البحري الرحالي) ليلتحق بهذه العائلة شخصان وهما «موسى» و»هنان» (التي يعني اسمها الجنة على الأرض).. يتبدد انسجام العائلة بعد قتل الأب من شخص غريب دون سبب وجيه وتنطلق سلسلة لا نهائية من القتل أو هو الإرهاب يعصف بالشخصيات ويفقدها القدرة على الحفاظ على أهم مقومات تواصلها وهي قطع منبع حياتها وسبب ترابطها وهو الماء. «الموت» في المسرحية كان منطلقا فنيا للمخرج حيث اختار المدرسة «البرشتية» (نسبة إلى بريشت) فترى الشخصية التي تقتل تعاود الظهور على الركح، والبداية كانت مع «شعيب» الذي ظل رأسه متواجدا فوق خشبة المسرح بينما كان جسده تحت الخشبة.. هو توجه جمالي مسرحي أراده الكشو ضبابيا كما لم يكن، للدلالة على الوضع الراهن، فكان المسرح العبثي، إن صح التعبير، حاضرا بقوة في النصف الثاني من العمل وبدد كل ما كان واضحا من رسائل تقرأ أو تسمع على المباشر في النصف الأول من المسرحية. المسألة الدينية واستدعى محمد الكشو أو مؤلفا المسرحية، أسماء الأنبياء، لعدد من شخصيات العمل على غرار شعيب وعيسى وموسى وداود وادريس ومريم كذلك، للإشارة للتوظيف السياسي للدين، ومع التحذير من «أصحاب الرايات السود» ولقضية الماء والتلميح مرارا لتأسيس الدولة القومية، كانت الإحالة الضبابية لقضية الشرق الأوسط المحورية واضحة، لكن أصحاب العمل، وإن بدا واضحا أنهم أرادوا إثارة الحيرة لدى المتفرج، وجعله يعيد النظر في المسائل والقضايا المذكورة سلفا، إلا أنهم وخاصة الكشو أدخلوا هذا المتفرج في متاهة السؤال، الذي قد يعجز عن الخروج منه أو حتى طرحه... وحتى الإسقاط المفاجئ لبريشت بطريقة الكشو المقصودة كما صرح في نقاشنا معه للعمل، زاد في تعميق الضبابية وابتعد حتى عن مجرد محاولة الدفع للتفكير في حلول لهذه المسائل، وجعل الأسئلة تدور حول العمل نفسه، هل هو مبتور؟ أم خانته الجوانب الفنية في عرضه الأول بالمسرح البلدي، والأكيد أن بعض الهنات، سيتجاوزها الساهرون على هذا العمل المسرحي الذي تناول قضايا الشرق الأوسط الكبير والماء والإرهاب أو «أصحاب الرايات السود» بممثلين يلعبون مسرحيا في فضاء مغلق سمته السواد وكانوا يلبسون ملابس برتقالية اللون، فهل حمل «أصحاب الملابس البرتقالية» القضايا المطروحة، ليسلموا أمرهم لأصحاب الرايات السود وتكون النتيجة كما قيل في الكواليس «ومع ذلك تستمر الحياة..».