تتَّجه مختلف القوى الوطنيّة، السياسيّة والاجتماعيّة، الى الإقرار بوقوع البلاد في مأزق حاد نتيجة تباعد وجهات النظر حيال العديد من الملفات المطروحة والمشاغل العاجلة للبلاد. هذا المأزق تعكسهُ حالة التوتّر العامة. وتؤكّدهُ المواقف المتشنّجة والتجاذبات الجانبيّة والمناكفات وارتفاع منسوب المزايدات وترويج الإشاعات والأكاذيب والاتهامات المتبادلة. وهو وضع يكادُ يبلغُ أقصاه. فليس بعد هذا الانسداد في أفق الحياة الوطنيّة ولا هذه الدرجة غير المسبوقة من الاحتقان الاجتماعي ومظاهر القطيعة بين كبار الفاعلين على الساحة ولا هذه المحاذير التي باتت تعترضُ مسار تجربة الانتقال الديمقراطي، ليس بعد هذا الكم من المؤشرات السلبيّة إلاّ انتظار تحريك المياه الراكدة وإطلاق ما يلزم من مبادرات جديّة لإعادة القاطرة الى سكّتها وتنقية المناخ السياسي والاجتماعي في البلاد والإسراع في امتلاك الجرأة والشجاعة في مجابهة تحديات الواقع الصعب والدقيق وإيجاد منافذ للإنقاذ وفتح أبواب الأمل من جديد. تكاد البلاد تتعطّل، في ظل انخرام رهيب لبيانات الأسعار والأسواق والانهيار المتسارع للقدرة الشرائيّة لفئات واسعة من المجتمع وانتشار مهول للفساد والرشوة والمحسوبيّة، وتواصل الضغوط على موازنات الدولة وانهيار سعر صرف الدينار التونسي وبقاء نسبة التضخّم في مستوى مرتفع، وتزايد المخاوف الاجتماعيّة نتيجة كثرة الجرائم وما يتهدّد الشباب بصفة خاصة من الوقوع في براثن مجموعات الإجرام والمخدرات والهجرة السريّة وفلول الإرهاب والتطرّف. وفي غضون كلّ ذلك تتمسّك الأحزاب، والنخبة عموما، بموقع المتفرّج دون التعبير عن الارادة والعزم للمضي بالمسؤوليّة الوطنيّة المأمولة واللازمة لحلحلة الأوضاع وإيجاد الحلول للمشكلات المتراكمة في أكثر من مستوى وفي أكثر من قطاع. إنّ مثل هذا المناخ السلبي، يفسحُ المجال للمغامرين والانتهازيين وصنّاع الفتن للتحرّك بأريحيّة وبثّ الإشاعات المغرضة وإعمال معاول الهدم والتخريب ونشر الأحقاد ومزيد تعفين الأوضاع. إنّ ناقوس الخطر دقّ دونما شكّ في ذلك. وعلى كبار الفاعلين السياسيّين والاجتماعيين التحرّك لاحتواء ما يُمكن احتواؤه من أزمات واستعادة الثقة المتبادلة لبناء تفاهمات تُسهم في تخفيض درجة التوتّر والاحتقان وتأمين التهدئة الضروريّة لتواصل نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي والوصول بها الى شاطئ الأمان. ولن يكون ذلك عسيرا ولا صعبا. فقد عوّدتنا النخبة أنّها سُرعان ما تعود الى جادّة الصواب والحكمة والتعقّل كلّما بلغ الوضع مداه من التعقيد والتشابك. فاشتدي أزمة تنفرجي.