إن مواصلة غض الطرف على خطورة الوضع الاقتصادي وعلى التداعيات الحالية والمحتملة لارتفاع التضخم وانهيار الدينار وتعطل التصدير.. مقابل تواصل التجاذبات والإصرار على الهروب إلى الأمام في معارك التسابق والتلاحق على موعد الاستحقاقات الانتخابية القادمة من شأنه أن يقوض دون شك المنجز على المستوى السياسي أو قد يعيده إلى نقطة البداية. سُوق كثيرا مباشرة إثر 14 جانفي الحديث عن طبيعة المراحل الانتقالية التي تشهد فيها البلدان وضعا اقتصاديا صعبا تنهار فيه كل المؤشرات كنتيجة حتمية لرجة سياسية واجتماعية بحجم الثورة. وطيلة السنوات الأخيرة ظلت الإشادة بالاستثناء التونسي في ما سمي بالربيع العربي متواصلة رغم بعض المنعطفات والأزمات في مخاض الانتقال الديموقراطي التي كادت تعصف بالمسار وظل التركيز منصبا على إنجاح الانتقال سياسيا دون سواه من الملفات الاجتماعية وأيضا الاقتصادية. لكن اليوم لم يعد ممكنا التغافل أكثر على الملف الاقتصادي تحت عذر طبيعة الانتقال الديمقراطي أو التمادي في إعطاء الأولوية للملف السياسي وانحصار التفكير في المواعيد والاستحقاقات الانتخابية القادمة. ولعل الأخطر اليوم عند الحديث عن الوضع الاقتصادي الصعب هو إقحامه في أتون الصراع السياسي والحزبي وصراع الشقوق وذلك ما بتنا نشهده اليوم من اتهامات متبادلة من خصوم رئيس الحكومة عبر التشكيك في المؤشرات الاقتصادية المعلن عنها رسميا وفي المقابل يواجه أنصار الشاهد تشكيك خصومهم باتهامهم بالسعي للإطاحة برئيس الحكومة وبالتالي النظر فقط إلى نصف الكأس الملآن وإنكار ما تم انجازه من تحسن نسبي. وبين هذا وذاك تبدو الأعناق موجهة فقط صوب المحطات الساخنة القادمة تحت قبة البرلمان في علاقة بروزنامة القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي وأيضا في علاقة بقانون المالية والميزانية. وهذا لن يزيد الأوضاع إلا توترا في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الجلوس على طاولة الحوار اليوم قبل الغد من أجل التوافق حول مخرجات جدية لحلحلة الأوضاع الاقتصادية المتردية على أكثر من صعيد وإن تحسنت نسبيا بعض المؤشرات لكنها تظل غير كافية . ما لم يقتنع الجميع أن المعركة الاقتصادية هي أم المعارك اليوم وبأن المحرار الأساسي لقياس حقيقة المؤشرات الاقتصادية يبقى شعور المواطن بوقعها على حياته اليومية ومقدرته الشرائية المنهكة جراء ارتفاع الأسعار وتواتر المناسبات فلن يكون هناك استقرار سياسي في الأفق.