تُحدِّث الفنان المسرحي عبدالله رواشد المدير السابق لفرقة الكاف ومؤسس فرقتي القيروان والمهدية في ندوة نظمتها أيام قرطاج المسرحية صباح أمس بكثير من المرارة عن ذكرياته. البشير بن سلامة وراء غلق الفرق الجهوية للمسرح تونس (الشروق) كشف المسرحي عبدالله رواشد في شهادة قدّمها أمس أمام مجموعة من شباب المسرح التونسي عن ذكرياته وما عاشه من تجارب في الفرق الجهوية بين الكافوقفصة والمهدية والقيروان وعن مشروع المسرح الوطني وعلاقته بالبشير بن سلامة وزير الثقافة في الثمانينات ومنصف السويسي الذي قال انه وراء اقصائه من ادارة فرقة قفصة ومنح المنصب لمحمد رجاء فرحات رغم أن نية الوالي اذاك كانت تتجه نحو تعيينه كما كشف رواشد بان السويسي كان وراء «المينة» التي نسجها له مع والي القيروان الطاهر بوسمة عندما اقنعه السويسي رحمه الله بان رواشد لا يصلح الا للادارة فقط وليس للانتاج الفني والاخراج. وقال رواشد «سأتحدث عن تجربتي المتواضعة بحكم وجودي في فترة مخضرمة بين الاستعمار والاستقلال وفترة تكوين الدولة اذ ساهمت في تأسيس قطاع المسرح الجهوي في تونس، تخرجت سنة 1963 تم تعييني كمنشط في المعاهد الثانوية بين قابسوسوسة وفي سوسة تم اختياري لاتمتع بمنحة من فرنسا بمتابعة تربص في بعض المسارح الفرنسية للاطلاع على المراكز المسرحية الفرنسية وهناك تعرفت على تجارب فرنسية في منطقة ليموج وكذلك في مدينة سانت تيان منها تجربة ارمون غوتييه الذي كان صحفيا متخصصا في الحروب وشاركت معه في عمل الرجل الوحيد وعشت لاول مرة ظروف الانتاج في فرنسا وتعرفت من قريب عن طريقة تقديم العروض والاحتفال بها ثم انتقلت الى باريس وتابعت مهرجان مسرح الامم ثم عدت الى نفس المكان لاتابع اعداد مسرحية ريتشارد الثالث لشكسبير وتعرفت على عدد من المسرحيين الذين كانوا يعملون في المسرح الفرنسي وتم تقديم العرض بطلب من جون فيلار في مهرجان افينيون وانتهى تربصي وعدت الى تونس عام 1966» الفرق الجهوية ويقول عبدالله رواشد عن تجربته في تونس «حاولت تأسيس فرقة في قفصة لكن الظروف كانت صعبة بسبب تداعيات محاولة الانقلاب التي شارك فيها عدد من ابناء قفصة واصطدمت مع الوالي الذي كان الحاكم المطلق في المنطقة وتبين ان الاموال التي رصدت للفرقة من شركة فسفاط قفصة تم تحويلها الى فرقة أخرى في المتلوي. وبعد انتهاء تجربة التعاضد في سنة 1969 تم تعيين وال جديد هو محمد التريكي في وقت قررت فيه العودة الى فرنسا بعد أن يئست لكن توفيق عبدالهادي طلب مني ان ارافقه الى الكاف وكان مساعدا لمدير فرقة الكاف منصف السويسي ووافقت رغم اختلافاتي السابقة مع منصف السويسي الذي عشت معه في فرنسا فطلبت نقلتي الى الكاف ، وكنت انا من يسير الفرقة لانشغال السويسي بالتدريس في مركز الفن المسرحي بتونس ومنحني السويسي الصلاحيات لتسيير الفرقة بالتوازي مع عملي كاستاذ مسرح في المعاهد الثانوية.قدمنا خمسة اعمال مسرحية منها مسرحية فاضل الجعايبي في فن الكوميديا ديلارتي وكانت من احسن الاعمال التي قدمت في تاريخ المسرح التونسي لانها كانت مبنية على الارتجال وقد تعلمنا الكثير من فاضل الجعايبي في هذا الباب وكان العمل بعنوان مواقف صامتة. ثم انتجت مسرحية للمرحوم نورالدين القصباوي بعنوان «الاستعراض» مع لمين النهدي وسعاد محاسن وعزيزة بولبيار ومحمد بن عثمان وغيرهم لكن لجنة التوجيه رفضتها بسبب لوحة امراة تنجب على الركح توأما هو لمين النهدي ونورالدين عزيزة وهي مسرحية كوميدية ثم جاء مخرج هولندي من الاباء البيض وقدم مسرحية هملت لكنها لم توزع ثم مسرحية عبدالرؤوف بن يغلان مذكرات مجنون لكن لجنة التوجيه منعته قبل ان يعرض عبدالقادر علولة مسرحية بنفس العنوان في مهرجان المغرب العربي بالمنستير من إنتاج المسرح الوطني الجزائري واتفقنا مع المسرح الوطني الجزائري على ان يقدم بن يغلان مسرحيته في الجزائر وعندما عاد تم ايداعه في السجن لانه قدم مسرحيته دون الحصول على تأشيرة من تونس. عام 1972 قدّمت مسرحية «كل فول لاهي في نوارو» ويواصل رواشد سحب الذكريات «كنت سأعين مديرا لفرقة قفصة لكن منصف السويسي غير الوجهة وتم تعيين رجاء فرحات الذي اقترحه بدلا عني وواصلت عروض مسرحيتي كل فول لاهي في نوارو في معظم انحاء الجمهورية لكن تمت كتابة تقارير أمنية فيها الى حدود نوفمبر 1972 عندما تم ايقافها بعد الثمانين عرضا بأمر من المرحوم مصطفى الفارسي الذي كان مسؤولا عن ادارة المسرح وما لاحظته في تجربتي مع المرحوم منصف السويسي انه كان يريد تحطيم الجميع حتى يبقى وحده لكنه فشل في حربه على فرقة بلدية تونس كما فشل في حربه مع فرقة صفاقس التي كان يديرها الجودي وكانت النهاية عندما اختلفت معه في الحمامات اثناء اعداد مسرحية الحلاج وانتهت علاقتنا من يومها وانسحبت من فرقة الكاف» بعد الكاف يقول رواشد ان والي القيروان اتصٍل به «طلبني الاستاذ الطاهر بوسمة والي القيروان باقتراح من منصف السويسي والتقينا معه للاعداد لبداية الفرقة وقدمت اول مسرحية خيرالدين التي شارك فيها رؤوف بن يغلان الذي اخرج العمل الثاني وفوجئت بتعيين بن يغلان مديرا فنيا للفرقة فاضطررت الى الاستنجاد بوزير الثقافة انذاك محمود المسعدي رحمه الله وتم سحب تعيينه وعام 1976 اخرجت مسرحية سحابة من جراد وتعاقدت مع البشير القهواجي على كتابة النص لكن لم نتفق فغيرت الكاتب وكانت المسرحية حول المعز لدين الله الصنهاجيً وبعد هذه المسرحية تم اعفائي وتعيين منجي بن ابراهيم عوضا عني» اما عن تأسيس فرقة المهدية فقال «اخترت ولاية المهدية وكان الوالي نورالدين حشّاد هو الذي وفّر لي الامكانيات لمدة عام وكان العمل الاول عن اوبرا صينية ترجمها العراقيون وتمت تونستها بعنوان بنتي وشطر في محكمتي التي شارك فيها جمال العروي ثم قدمت الحارس التي افتتحت مهرجان الحمامات الدولي عام 1978 ومعها مسرحية اولاد الحلال التي عرضناها في المغرب وكانت تجربتي الاخيرة التي تواصلت طيلة ست سنوات وسنة 1983 غادرت فرقة المهدية بسبب دفاعي عن المسرح الجهوي وكنت ناشطا في اتحاد الممثلين المحترفين بعد الازمة التي حدثت مع وزير الثقافة البشير بن سلامة وهنا يقول «منصف السويسي طلب من البشير بن سلامة العودة الى تونس لتأسيس مسرح وطني وكان وقتها مقيما في الخليج وهذا كان مشروعنا في الاتحاد وعندما عاد البشير بن سلامة من جولته في الخليج تصادم مع الاتحاد وبدأ يعمل على غلق الفرق الجهوية وتصادمنا معه في اجتماع بالمهدية واضطررت للرد عليه في اجتماع هاجم فيه الفرق الجهوية وتمت إقالتي وعدت للتدريس» وبعد سقوط حكومة محمد مزالي ومغادرة البشير بن سلامة للوزراة عاد الى الكاف من جديد من 1987 الى 1990 وفوجىء بأن ظروف العمل أسوأ مما تركها في الستينات وكانت هذه التجربة آخر عهد له في تونس واختار بعدها الهجرة الى هولاندا. هذا اللقاء اداره المسرحي سامي النصري وهو مبادرة لابد ان تتواصل بكتابة تاريخ الفرق الجهوية وتدوين الذاكرة المسرحية المشتتة والضائعة.