«من لا يستطيع أن يكسب الحرب، لا يستطيع أن يكسب السلام» (شارل ديقول) منذ أن صدح الحرائر والأحرار «شغل، حريّة، كرامة وطنيّة» والساحة التربويّة لم يغادرها غبار المعارك المحتدمة بين الوزارة والطرف الاجتماعي. والنتيجة أرقام مفزعة تهدم كلّ الصرح وتقوّض كلّ نبل الرسالة وكلّ القيم وتنسف كلّ رهانات الغد. ومن عجائب هذه الحرب أنّ الخصمين يستظلاّن بنفس الخطاب ويدّعيان الدفاع عن نفس الأهداف: مدرسة عموميّة تفي بكلّ وعودها...؟؟؟ غير أنّنا نعلم مسبقا أنّ الحروب لا تخلّف غير أحزمة من الركام، فهذه الصراعات لم تزد المؤسّسة التربويّة إلاّ خرابا على جميع المستويات، أوّلها المعجم اللّغويّ للخطاب الحربي المشحون، بالأباطيل غطرسة ونرجسيّة ناسفة للقدوة ولكلّ القيم ، بدؤها (أشربوا من البحر تكرارا)، وفتوى الحجب والامتناع والتلاعب بالروزنامة... وفي ساحة هذه الحرب الطاحنة، ثمّة حلقة عليها كلّ وزرالمؤسّسة وحجم أمانة مخرجاتها. هي سلطة الإشراف، هم السيّدات والسّادة المديرات و المديرون، هذه الثلّة الإستراتيجية كانت محور كلّ المعارك المتلاحقة، وشهدت مساحتها كرّا وفرّا مع كلّ خلاف بين الخصمين، والمحنة أنّ سلطة الإشراف (الميمنة) تتعلّل وتناور ولم تجرؤ على تبنّيها، و تهرسلها الميسرة ومستحيل أن تفرّط فيها على قاعدة «المدير(ة) المضمون». هذه بمذكّرات ومناشير تلزم، وذاك بلوائح متغطرسة تعربد وتمزجر. وعلى السيّد المدير(ة) هذا «الهرقل» أن يتحمّل في آن رماح الوزارة – المتفقّ الإداريّ والماليّ- وخناجر أصحاب (النظريّة البوشيّة) «إن لم تكن معي فأنت عدوّي». وضعيّة مربكة للجميع، ومنطلق الخطيئة في حقّ صرح المدرسة ونواميس الإدارة وهيبتها ومن يقوم عليها، أسّس لها ب «بدعة» التعيين المشترك عبر اتّفاق هدنة جويلية 2011، وكان للطرف الاجتماعي اليد الطولى فيها، فاستأثروا بسلطتي العزل والتعيين. و على أساس هذه الصفقة «العابثة» أصبحت الوزارة تتعامل مع سلطة الإشراف هذه كخطّة وظيفية هشّة يسهل التلاعب بها وتطويعها لخلافاتها مع الطرف المقابل الذي لا يهدأ ولا يضيّع فرصة للتكشير عن أنيابه واستعراض عضلاته في مزاد المناسبات والاستحقاقات الانتخابيّة، هذا الطرف الذي لا يرى في المؤسّسة التربويّة ما يستحقّ سلطة إشراف عداها، وهي تستبسل في المحافظة عليها «تابعة، خانعة»، فهي مجالها الحيوي ودونها الدمار إن نازعها فيها أحد، استعلاء على القانون والدولة ونسفا للصرح والقيمة الاعتبارية للقدوة. فالمديرون والنظار –عذرا - سوى وكلاء مخوّلين فقط لتنفيذ سياستها الحربيّة، وهي التي انتدبتهم أصلا من قواعدها، وكلّ الويل للآبق الذي يفكّر في التمرّد والانتصار للقانون. وفي هذا الواقع المحتدم ما على وزارة التربية ،وفي صلب رهاناتها لإصلاح المنظومة التربويّة إلاّ التوقّف عند ضرورة إعادة الاعتبار للمدير(ة) والناظر وذلك عبر اتخاذ القرار القويم وإفرادهم بخطط وظيفية تخرجهم من مأزق» المنزلة بين المنزلتين» وتعيد لهم هيبتهم وسلطتهم الإدارية والاعتبارية فهم «شيوخ» المهنة و خبرات بيداغوجيّة وإدارية لهم مشاريع وبرامج ورهانات ورؤية ورؤيا. موجع حدّ النخاع كلّ هذا المعجم الحربيّ وهذه الممارسات الناسفة للرسالة وللماديّ والمعنويّ، في ساحة التربية ومنبر المعرفة. ولكنّها حرب فرضت في زمن الحاكم الهووي. والرأي عندي لكسب هذه المعركة و إرجاع المدرسة العموميّة إلى قويم دربها واسترجاعها للدولة ولكلّ من يؤمن صدقا بنبل الرسالة، لن تكون إلاّ عبر ضرورة تعزيز مكانة من يدير. و «من لا يستطيع أن يكسب الحرب، لا يستطيع أن يكسب السلام».