تهريب البضائع هو جلب سلع من دول أجنبية أو مجاورة وإدخالها إلى البلاد عبر مسالك لا تخضع إلى المراقبة الحدودية أو أشخاص نافذين في الدولة باعوا ضمائرهم ووطنهم بفتات من زينة الدنيا ثمّ يقع ترويج هذه البضائع المهربة في الأسواق المحلية بطرق ملتوية غير قانونية. ويساهم هذا في انتشار ثقافة الكسب غير المشروع والأنانية والتمرد على القوانين بعدم دفع المعاليم الديوانية أو تأدية الضرائب المستوجبة عليها سواء كليا أو جزئيا. و يعتبر إخراج السلع من بلد إلى بلد آخر بصفة غير شرعية دون الحصول على تراخيص من الجهات المسؤولة تهريبا وهو لا يقل خطورة على الظاهرة الأولى حيث انّ المهرب يحصل على الأموال المتأتية من الصفقة المشبوهة دون المرور بالبنك المركزي وبالتالي تتحول هذه الأموال إلى أرصدة في بنوك أجنبية وهو ما يضر باحتياط العملة الأجنبية وقدرة الدولة على تسديد ديونها. والتهريب بصفة عامة داء عضال ومرض خطير ينخر الاقتصاد ويفسد القوانين ويساهم في الثراء الفاحش ويعرض صاحبه للمخاطر وبذلك يكون التهريب محرما والعمل فيه غير مشروع وكسبه ليس بحلال وذلك لما فيه من إنزال الضرر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم: « لا ضرر ولا ضرار «. (رواه أحمد). وللحاكم أن يشرع ما يراه مناسبا لمعاقبة المهربين حتى يردهم. يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: إن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن. إذ أن كثير من الناس لا يردعه إيمانه ولا يردعه خوفه من الله وإنما تردعه العقوبات الوضعية سواء كانت مالية أو سجنيه أو غير ذلك من العقوبات محسوسة. إنّ التهريب يضر الناس في البيع والشراء، ويخالف الدولة وتشريعاتها، والمسلم مأمور بالسمع والطاعة في المعروف. وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم صورا من إنزال الضرر بالأسواق والتجار، ومن ذلك تلقي الركبان الذي يعد نوع من التهريب وصورته أن يخرج بعض الناس إلى أطراف المدينة يتلقون القوافل التجارية القادمة من مختلف الجهات فيشترون منها ما يريدون من السلع قبل أن تدخل السوق. فيكون في ذلك غبن وخداع لتلك القوافل لكونهم يبيعون سلعهم قبل أن يعرفوا ثمنها في السوق فيأخذون فيها دون ما كانوا سيأخذون لو دخلوا بها السوق، وفيه أيضا ضرر بالسوق والعاملين فيها لكونهم يحرمون من الرواج التجاري الناتج عن دخول سلع الركبان إلى السوق. وقد عقد البخاري في صحيحه بابا لهذه المسألة فقال: باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز. و قد أورد فيه عدة أحاديث منها حديث ابن عمران رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق «. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حيث يشترى حتى ينقل إلى سوق الطعام، وذلك أن بعض التجار كانوا يشترون الطعام الشعير وغيره من أنواع الطعام بعيدا عن السوق ثم يبيعونه في نفس المكان الذي اشتروه فيه ولا ينقلونه إلى السوق التي يباع فيها الطعام فيتضرر من صنيعهم أهل السوق كما مضت الإشارة إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمر قال: كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه. (يعني إلى السوق) (رواه البخاري وغيره). وفي رواية أخرى عن ابن عمر قال: رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافا (أي جملة)، يعني الطعام لا يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم. والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم هذا النوع من تهريب السلع الذي كان معروفا على عهده صلى الله عليه وسلم لما فيه من إنزال الضرر بالحركة التجارية ورواج السلع في السوق، ومثله في الحكم التهريب المعروف اليوم لاتحادهما في العلة الموجبة للتحريم، فيكون العمل في التهريب حراما لما فيه من الإضرار باقتصاد البلاد وإصابة الحركة التجارية في أسواقها بالكساد والركود، وقد قال صلى الله عليه وسلّم: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه «. (متفق عليه) .