بعد أن أقرت لجنة النظام الداخلي بالبرلمان الترفيع في عتبة الأصوات التي يجب الحصول عليها في الانتخابات للفوز بمقعد في البرلمان الى 5 بالمائة. فما هي أهمية هذا القرار للمسار الديمقراطي؟ وما هي تداعياته على المشهد السياسي؟ تونس الشروق: أدخلت مسألة وضع «عتبة» في الانتخابات في تونس ما بعد 2011 مع الانتخابات البلدية الأخيرة. حيث تم إقرار مبدإ العتبة بثلاث في المائة أي كان على كامل قائمة الحصول على تلك النسبة من الأصوات لتدخل في سباق توزيع المقاعد وكذلك في علاقة بالحصول على التمويل العمومي ومنذفترة صادقت لجنة النظام الداخلي على تنقيح القانون الانتخابي لتصبح العتبة في حدود 5 بالمائة. المستفيدون والمتضررون وتعتبر «العتبة» محاولة لإصلاح نظام التمثيل النسبي الذي تم اعتماده في تونس منذ سنة 2011 ومحاولة لترشيد أصوات الناخبين وتجميع الأطراف السياسية للقطع مع حالة التشتت التي انعكست على تركيبة المجلس الوطني التأسيسي والبرلمان وحتى في الانتخابات البلدية وإن تم اعتماد عتبة 3 بالمائة. ربما يجب أن نعود في البداية الى تقديم معطيات حول النظام الانتخابي الذي اعتمدناه منذ 2011. وكيف كان توزيع أصوات الناخبين بين الأطراف السياسية ثم ما حصل في الانتخابات البلدية مع الرجوع الى المواقف الداعمة للترفيع في العتبة أو المعارضة لذلك الإجراء والتعرف على الأسس التي بنيت عليها تلك المواقف. ويعتبر المشهد السياسي الحالي وليد الانتخابات التشريعية الأخيرة. حيث أنه مغاير للمشهد الذي أفرزته انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. حيث اندثرت أحزاب وظهرت أخرى أو تقلص حجم أحزاب وتفاقم حجم أحزاب أخرى. وكان هناك نوع من الاستقرار بعد انتخابات 2014. وفي هذا السياق فإن التعرف على أحجام الأحزاب الانتخابية يكون أسهل بالعودة الى الانتخابات التشريعية في 2014 ثم الانتخابات البلدية الأخيرة لنعرف كم النسبة التي تحصل عليها كل طرف وما هي الأطراف التي سيؤثر الترفيع في العتبة على حظوظها في التواجد في البرلمان مستقبلا؟ تشير الأرقام الى أنه في انتخابات 2014 وفي الانتخابات البلدية لم يتجاوز عتبة 3 بالمائة الا حزبان وهما حركة النهضة وحركة نداء تونس. فالنداء تحصل في الانتخابات التشريعية على نسبة 35.62 % وتحصل في الانتخابات البلدية على نسبة 20.85 %. ومن جهتها تحصلت حركة النهضة في الانتخابات التشريعية على 26.46 % في حين تحصلت في الانتخابات البلدية على 28.64 % . وفي الجهة الأخرى نجد أن باقي الأطراف السياسية والائتلافات لم يتحصل أي منها على نسبة تفوق الخمسة بالمائة. حيث أن الذي حصل على المرتبة الثالثة هو حزب الاتحاد الوطني الحر. وقد تحصل في التشريعية على 3.94 % لكن لم يترشح في الانتخابات البلدية. ثم اندمج مع حركة نداء تونس. ونجد في المرتبة الرابعة في التشريعية الجبهة الشعبية التي تحصلت على 3.47 % مقابل 3.95 % في الانتخابات البلدية. في حين تحصل حزب آفاق تونس على 2.88 % في الانتخابات التشريعية وفي البلديات 1.06 % . وفي الاتجاه ذاته فقد حصل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية على 1.95 % في الانتخابات التشريعية يليه التيار الديمقراطي الذي تحصل على 1.86 % في التشريعية و 4.19 % في الانتخابات البلدية ثم ائتلاف الاتحاد المدني بنسبة 1.77 % وحزب المشروع الذي يشارك لأول مرة في الانتخابات. وتحصل على 1.44 %. ويليها في الترتيب كل من الحزب الجمهوري وحزب حركة الشعب وحزب المبادرة وحزب التحالف الديمقراطي ثم ائتلاف تيار المحبة. آثار ال5 % إذن إن كل الأطراف المشاركة في الانتخابات التشريعية والبلدية لم تتجاوز عتبة ال5% باستثناء حركة النهضة وحزب حركة نداء تونس وربما ذلك ما جعل الأغلبية في البرلمان تعمل على الترفيع في العتبة. ويعتبر المستفيدون من الترفيع وهم من صوتوا لصالح المقترح أن ذلك الإجراء سوف يقلل من تشتت الأصوات في البرلمان. وسوف يحد من عدد الأحزاب المتقاربة فكريا. ويدفعها الى التجمع في جسم سياسي واحد سواء عبر الاندماج أو الانصهار أو تكوين التحالفات الانتخابية. وكنا مررنا بتجارب مماثلة في الانتخابات البلدية مثل الائتلاف المدني الذي لم يترشح في كثير من الدوائر. لكنه حقق نتائج مهمة نوعا ما.كما يرى المدافعون عن هذا المقترح أن الترفيع سوف يخلق -مستقبلا- مشهدا سياسيا أكثر وضوحا خاصة التمييز بين من هو في السلطة ومن هو في المعارضة أي أنه سوف يمكن أحزاب السلطة التي سوف تختارها الانتخابات من الحكم دون الحاجة الى توافقات مع الكتل أو الأحزاب المعارضة. وفي الجهة الأخرى ترى الأطراف المتضررة من هذا الإجراء أنه بالترفيع من العتبة سوف يتم القضاء على الأحزاب الصغيرة التي تمثل ضمانة للتعددية في المشهد البرلماني. وسوف يمكن الأحزاب الكبرى من الاستئثار بالحكم في واقع سياسي مازال متحركا ولم يستقر بعد. عتيد: استئثار الكبار بالسلطة اعتبرت جمعية عتيد أن إقرار عتبة ب 5% سيكون له تأثير سلبي على مستقبل الانتقال الديمقراطي. ورأت أنها «نسبة عالية وفيها ضرب للتعددية الحزبية وإقصاء صريح لطيف هام من المستقلين والأحزاب» حسب البيان الذي أصدرته أمس. وجاء في البيان أن «هذا التعديل يرمي الى الاستئثار بالسلطة من طرف الأحزاب الكبرى بغض النظر عن التمثيلية الحقيقية من خلال الأصوات المتحصل عليها في الانتخابات القادمة... وكان من الأجدى أن نمّرَّ الى تطبيق العتبة تدريجيا لترشيد الترشحات و الحد من التشتت السياسي. وكنا اقترحنا نسبة 3 % على غرار الانتخابات البلدية الفارطة». أمين محفوظ: مواصلة للأزمة قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ في تعليقه على قرار الترفيع في العتبة إن « الترفيع في العتبة أو الحط منها لا يخدمان ما نطمح إليه من تغيير في نظام الاقتراع الذي يقود حتما الى نجاعة النظام السياسي. والأدهى من ذلك أنه بالرغم من الأهمية البالغة لهذه المسألة إلا أنها همشت». وتابع «قدمت للمجلس بشكل متأخر. وتمت المصادقة عليها بسرعة البرق بالرغم من مخالفة الأجل (تقسيم الدوائر يتم سنة قبل الانتخابات) الوارد في الفصل 106 من القانون الأساسي للانتخابات لسنة 2014. حيث أن المصادقة على تنقيح القانون الانتخابي خارج الأجل التشريعي قد يعرض الانتخابات القادمة الى مشاكل على مستوى النزاع الانتخابي». وأضاف محفوظ في تصريح ل"الشروق" «لقد اقترحنا مبادرة اعتماد نظام الانتخاب بالأغلبية في دورتين. فوجدنا صدا من الأحزاب الديمقراطية التي ترضى بالقليل و»تتمعش» من العزوف. ومبادرة الحكومة لتنقيح القانون الانتخابي أعدت في رئاسة الجمهورية. وكانت مخيبة للآمال. حيث لن تزيد الأزمة إلا استمرارا».