بعد الاتهامات التي واجهها نظام الاقتراع الحالي القائم على مبدإ التمثيل النسبي في تشتيت الحكم واستمرار الأزمات أقرّت لجنة النظام الداخلي البرلمانية أمس إدراج عتبة 5 % للحصول على مقعد تشريعي ، فماهي تداعيات هذا القرار التقني على المشهد السياسي؟ تونس (الشروق) والمقصود بالعتبة هي الحد الادنى من الاصوات التي يشترط القانون الحصول عليها من قبل القائمة المترشحة ليكون لها حق المشاركة في الحصول على حصة المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات. وجرت الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس سنة 2014 دون اللجوء إليها حيث وقع إقرارها لأول مرة في فيفري 2018 من خلال تنقيح القانون الانتخابي قبل إجراء الانتخابات البلدية بإقرار عتبة 3 % قبل أن تصادق لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية في البرلمان أمس على ادراج عتبة 5 % في التشريعية القادمة وسط جدل كبير، فماهي تداعيات الترفيع في العتبة وماهي انعكاساته على المشهد السياسي؟ منافع سياسية ولعلّ التوتر الحاصل أمس في اللجنة البرلمانية خير دليل على الانقسام بخصوص تداعيات هذه العتبة حيث صوت ممثلو كتل النهضة والائتلاف الوطني ونداء تونس لصالح إدراج عتبة ب5% بينما رفض التنقيح كل من ممثل الجبهة الشعبية وكتلة الولاء للوطن. أصحاب الرأي المدافع على الترفيع من نسبة العتبة هم في الغالب من بين الاحزاب الكبرى حيث يعتقدون في الرفع من نسبتها تحصيل منافع سياسية من بينها ضمان عدم تشتيت الاصوات مستقبلا والوصول بالمشهد السياسي نحو الاستقرار على أقطاب سياسية كبرى تبرز خطوط التماس بين الحكم والمعارضة بوضوح. تضرر الأحزاب الصغرى والمستقلين في المقابل يصطدم قرار الترفيع في العتبة باتهامات عديدة حيث يرى أصحابها من بين مكونات المجتمع المدني والاحزاب ذات التمثيلات الصغرى فيه إقصاء لها تحت غطاء القانون في سياق إرادة جامحة من الاحزاب الكبرى بالاستئثار بالحكم لوحدها. ومن الاحترازات على ترفيع نسبة العتبة يرى الرافضون لها أن المشهد السياسي في رأيهم لم يعرف بعد الاستقرار الذي من الممكن ان يمكن الى «تغيير قواعد اللعبة» حيث ان جل الاحزاب السياسية تقريبا تشكو ضعفا هيكليا وهي معرضة للاندثار من المشهد السياسي القادم في حال المضي في قرارات يصفونها «بالاقصائية» كما تبرز القراءة الرافضة للترفيع من نسبة العتبة الانتقال الالي ل34 مقعدا في البرلمان من القائمات الصغرى الى الحزبين الكبيرين اذا ما افترضنا تطبيقها في تشريعية 2014 علاوة على ان ادراج عتبة بهذا المستوى من شأنه التأثير على استراتيجيات الاحزاب بداية من التقليل من عدد قائماتها المترشحة وصولا الى افراز ائتلافات انتخابية عددية تبعد كليا عن اي تقارب سياسي وتزيد في تفتت قائمات الاحزاب الصغرى والمستقلين. في المحصلة وتأليفيا لموقفي المدافعين والرافضين للترفيع في نسبة العتبة يتضح أن القرار المذكور محاولة ترقيعية لتلافي عيوب نظام الاقتراع الحالي القائم على التمثيل النسبي، حيث ان لمواصلة المضي فيه سواء بالترفيع في نسبة العتبة أو التقليل منها تبعات وخيمة وفق تأكيد عدد من خبراء القانون الدستوري. رأي خبير أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري ترفيع العتبة أو الحطّ منها مواصلة للأزمة الترفيع في العتبة أو الحطّ منها لا يخدمان مانطمح له من تغيير في نظام الاقتراع الذي يقود حتما الى نجاعة النظام السياسي، والأدهى من ذلك انه بالرغم من الاهمية البالغة لهذه المسألة إلا انها همشت وقدمت للمجلس بشكل متأخر وتمت المصادقة عليها بسرعة البرق بالرغم من مخالفة الأجل (تقسيم الدوائر يتم سنة قبل الانتخابات) الوارد في الفصل 106 من القانون الاساسي للانتخابات لسنة 2014، حيث ان المصادقة على تنقيح القانون الإنتخابي خارج الأجل التشريعي قد يعرض الانتخابات القادمة الى مشاكل على مستوى النزاع الانتخابي. لقد اقترحنا مبادرة اعتماد نظام الانتخاب بالاغلبية في دورتين فوجدنا صدا من الاحزاب الديمقراطية التي ترضى بالقليل و«تتمعش» من العزوف، ومبادرة الحكومة لتنقيح القانون الانتخابي اعدت في رئاسة الجمهورية وكانت مخيبة للامال حيث لن تزيد الازمة سوى الاستمرار.