دخل بداية من يوم أمس الجمعة المحامون في اعتصامات بكافة محاكم الجمهورية مع مقاطعة الدوائر الجنائية بكافة أطوارها والإعانات العدلية والتساخير والنيابة أمام باحث البداية الى أجل غير مسمى. تونس (الشروق) تجدّد أمس نفس المشهد بقصر العدالة بتونس وبكافة المحاكم. إذ حضر القضاة وحضر المتقاضون و الموظفون وغاب المحامون عن جلسات الدوائر الجنائية عدا من عينته الهياكل للحضور نيابة عن بقية زملائه لطلب تأخير القضايا على حالتها. الإضراب العام الذي نفذه المحامون أيام 11 و12 و13 ديسمبر الجاري ثم الاجراءات التصعيدية التي اتخذها مجلس الهيئة الوطنية للمحامين أدت بالضرورة الى تعطيل المرفق القضائي. وما حدث دفع الى تعطيل سير عجلة العدالة داخل المحاكم. وأثر بصورة أو بأخرى على حقوق المتقاضين خاصة الحالات التي تتعلق بالأمل في الحصول على حقوقها في أسرع وقت ممكن. أمس حضر المتقاضي وغاب لسان الدفاع الذي بغيابه لا تستقيم المحاكمات. ولا يمكن للمحكمة أن تنظر في الملفات وتتخذ القرارات وما عليها الا قبول التأخير لآجال أخرى. صحيح قد لا تتأثر القضايا المدنية بمسألة الاضراب. لكن الأمر يختلف برمته أمام الدوائر الجنائية أولاها المختصة في قضايا الارهاب. ففي حين يتمسك المحامون بحقهم في التحرك من أجل محاماة حرة ومستقلة. ويقولون لا لإملاءات الدوائر المالية الأجنبية ولا لانتهاك السر المهني ولا لقانون المالية الذي لا يخدم مصالح الشعب ويؤكدون أن الاضراب والمقاطعة في عمق مصالح المتقاضي. وفي المقابل يرى المتقاضي أنه ضحية لكن يجد نفسه مجبرا على احترام قرارات المحامين. فلا تقضى شؤونه الا بحضور المحامي. رسالة واضحة اعتبر الأستاذ العروسي زقير عضو الهيئة الوطنية للمحامين أن تحركاتهم هي صورة من صور النضال الغاية منها التحسيس بالوضعية الكارثية للمحامي والمتقاضي على حد السواء. و ردا على سؤال "الشروق" بخصوص انعكاسات القرارات التصعيدية للمحامين على سير المرفق القضائي قال « أضربنا وقاطعنا الجلسات والمحاكم دفاعا عن حق المواطن في الطمأنينة والثقة في علاقته مع محاميه». وأضاف «تحركاتنا ليست من أجل مطالب خاصة. بل همنا الأول المتقاضي باعتبار أن قانون المالية مس المحاماة في السر المهني الذي هو خيط الثقة الرابط بين المحامي و حريفه" . وأكد أن المحاماة التونسية لن تركع وعندما تتحرك فإنها تتحرك من أجل المواطن التونسي . إرباك... المرفق القضائي كان على الهيئة الوطنية للمحامين التريث وعدم مواصلة التصعيد في انتظار مآل الطعن في عدم دستورية مشروع قانون المالية لسنة 2019. هكذا استهل القاضي عمر الوسلاتي حديثه مع «الشروق» ملاحظا أن الأمر يتعلق بمصالح المتقاضي. وأضاف القاضي الوسلاتي أن رسالة المحامين وصلت الى الحكومة وأن السر المهني مقدس وبالتالي فإن أي خطوة تصعيدية بعد تنفيذ الإضراب في مناسبتين ستمس من المرفق القضائي خاصة إذا تعلق الأمر بالموقوفين والقضايا الخطيرة التي لها تأثير على اقتصاد البلاد وأمنها. وهوما يدخل بالضرورة إرباكا كبيرا على سير المنظومة القضائية . وأشار القاضي الوسلاتي الى أن القانون صدر و الحكومة غير قادرة في الوقت الحالي على تنقيح الفصل المتعلق بالسر المهني الا في صورة تقديم مبادرة تشريعية أو انتظار قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الذي من الممكن أن تقر بعدم دستوريته. وبالتالي فإن القانون سيعود مجددا الى مجلس نواب الشعب. وتعاد صياغته وتعديله. وتعود الأمور الى نصابها . تذمّر... وملل «ما ذنبنا نحن وما ذنب أبنائنا الذين ينتظرون محاكمتهم وتحديد مصيرهم" هذا ما أجمع عليه بعض المتقاضين ممن التقتهم «الشروق» بقصر العدالة معبرين عن تذمرهم من تعطل مصالحهم بسبب تواصل غضب المحامين. السيدة «ن س» ( والدة أحد الموقوفين على ذمة قضية جنائية) تحدثت بغضب ل»الشروق». وقالت « تشهد القضايا بطبعها طول نشر وتأخيرا متكررا. ويزيد إضراب المحامين الطين بلة. لكن ما باليد حيلة فمصير ابني مرتبط بحضور محاميه للدفاع عنه». ومن جانبه قال والد أحد المتهمين «ع ت» إنه للأسف في كل معركة ندفع نحن الفاتورة مضيفا «أنا شخصيا كرهت المحاكم ومللت التردد عليها مرة إضراب القضاة ومرة إضراب المحامين ومصير ابني مازال غامضا «. أما السيد «م س» فقد كان متفهما نوعا ما لقرار المحامين في مقاطعة الدوائر الجنائية قائلا « نحن لا نقدر على التصرف دون محامينا. وعلينا إذا أن نحترم قرار المحامين. فمصالحنا مرتبطة بهم. والمهم الوصول الى حل عاجل. ويجب التدخل ومراعاة مصالحنا فنحن المتضرر الأول من هذا الغضب «. اذًا أزمة جديدة تسببت في تعطيل المرفق القضائي نوعا ما. لكن ما يؤكد عليه المحامون أن كافة الأشكال النضالية التي خاضوها وسيخوضونها ليس الغاية منها تعطيل مصالح المتقاضي وانما هدفها حفظ حقه في الحفاظ على أسراره.