توقّفت أمس الجلسات عن الانعقاد بمحكمة تونس الابتدائية ماعدا احدى الدوائر المدنية وواصل بعض ممثلي النيابة العمومية العمل بصفة عادية. وقد استجاب الكثير من القضاة ونفّذوا الاضراب الذي دعت إليه جمعية القضاة التونسيين أيام 13 و14 و15 جوان 2012 وذلك احتجاجا على التأخير في سنّ قانون الهيئة الوقتية المستقلة للانتخابات التي ستشرف على القضاء العدلي وتواصل عمل القضاة في أدنى ظروف الاستقلالية. وقد أعلن المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين على تفعيل الاضراب طبق قرار الجلسة العامة مع التأكيد على تواصل سير المسائل القضائية الاستعجالية وقضايا إيقاف التنفيذ وقضايا الطفولة المهدّدة والأذون الأكيدة والمحاضر التي انتهت فيها آجال الاحتفاظ.
«الشروق» اتصلت ببعض أعضاء نقابة القضاة التونسيين لمعرفة موقفهم من الاضراب ومدى مساهمتهم فيه ولكنهم رفضوا التصريح بمواقفهم واعتبروا قرار جمعية القضاة قرارا شخصيا. وتجدر الاشارة الى أن بعض القضاة المنخرطين بالنقابة باشروا مهامهم بصفة طبيعية. خيبة أمل
أكدت كلثوم كنّو رئيسة جمعية القضاة التونسيين في تصريح لها ل«الشروق» أن الإضراب حقّ مشروع وتعبير عن خيبة أمل القضاة من تجاهل طلباتهم فبعد حمل الشارة الحمراء يوم 18 أفريل 2012 وعقد عديد الندوات الصحفية واجتماعات عديدة بنادي القضاة بسكرة ومفاوضات مستمرّة مع وزارة العدل من أجل إصدار قانون الهيئة الوقتية المستقلة للانتخابات قرّرت الجمعية وضع حد لمماطلة الحكومة التي أقصت القضاة من إطار التشاور وهذا ما اعتبرته خرقا واضحا لمقتضيات الفصل 22 من القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية. معادلة صعبة
صرّح المحامي مصطفى درغوث أن إضراب القضاة ينضوي في إطار معادلة صعبة فمن جهة هو حقّ مشروع من حيث المبدإ بما في ذلك من تدعيم للنهوض بالسلطة القضائية التي عشّش فيها الفساد زمن المخلوع وسنّ قانون الهيئة الوقتية التي ستشرف على القضاء العدلي مطلب جماعي شفّاف بعيد عن إطار التعتيم والسرية ولكن من جهة أخرى فقد أصيب المرفق العدلي بشلل وتعطّلت مصالح المتقاضين خاصة ونحن أمام بداية عطلة قضائية. وانتهى مصطفى درغوث الى ضرورة توحيد صف جمعية ونقابة القضاة والمحامين والكتبة لإرساء منظومة قضائية مستقلة. ومن جهته ندّد منصف التومي وهو كاتب محام بالاضراب واعتبره سببا في تعطيل مصالح المتقاضي وبيّن أنه يساهم في انخرام المواعيد الخاصة بالجلسات. قاعات فارغة والمتقاضي يتذمّر
على غير العادة شهدت محكمة تونس الابتدائية حركية بطيئة إذ كانت القاعات فارغة فيما توزّع المتقاضون بين أروقة المحكمة وانتشروا تحت جدرانها بعضهم يستفسر عن سبب الاضراب وموعد النظر في قضيته وآخرون قدموا من ولايات داخلية بعيدة ينتظرون انعقاد الجلسات لأنهم لم يعلموا بالاضراب اصلا.
وعلى اثر حالة من الاحتقان تعالى صياح بعض المتقاضين الذين عبّروا عن غضبهم من قرار الاضراب، ومنهم الشيخ الصادق بن يوسف الذي أكد على انتظاره مدة تجاوزت 6 ساعات. وقدم الى المحكمة حاملا تقارير جديدة تدعّم قضيته آملا البت فيها بعد مدة تجاوزت 4 سنوات.
من جهتها اصدرت وزارة العدل بيانا اكدت فيه انه «لا يوجد مبرر حقيقي لهذا الاضراب المخالف لأحكام القانون والمتناقض مع أبسط متطلبات التعامل مع القضاء على أنه سلطة وأن القضاة لا يحققون مطالبهم بالاضرابات. وإن تزامن هذا الاضراب مع ما تتعرض له المحاكم والمؤسسات العامة والخاصة من حرق واعتداءات ارهابية. يثير أكثر من تساؤل، خاصة بعد ان حصل تقدّم كبير في الحوار بين الوزارة والجمعية وكل المتداخلين حول إعداد مشروع توافقي للهيئة القضائية المراد بعثها وحصر الخلاف في نقاط جزئية بسيطة كان يمكن تجاوزها نظرا لتوفر إرادة سياسية قوية تحرص على ضرورة توفير شروط ضمان حيادية الهيئة المرتقبة وجعلها فوق الصراعات والنوازع الفئوية وتصفية الحسابات على قاعدة ما قسّم القضاة من اختلافات في المرحلة السابقة. البيان تقدّم بالشكر الى القضاة الذين باشروا عملهم يوم أمس.