أما في ما يتعلق بمضمونه فقد بين العميد أن هذا القانون يعتبر خطيرا. ويتعارض مع مهام المحامين ومصالحهم و ذلك على مستويين. حيث أنه يتعارض مع مبدإ السر المهني. كما أنه يحمل المحامي التزامات لا طاقة له بها » . و الملاحظ أن مجلس الهيئة بالرغم من استيائه المعبر عنه في الفقرة الأولى لم يقدم للجنة مقترحات تهم القانون ككل بالرغم من تأثيره على أوجه مسار المحاكمة و كما ورد في التدخل الشفوي على خلاف موقف الهيئة سنة 2015 التي قدمت ضمن مراسلة مفصلة موقفها من مختلف محاور القانون. و قدمت مقترحاتها. و قد أخذ المجلس بجلّها . و من جهة أخرى استجابت لجنة التشريع العام لطلب العميد فيما يخص السر المهني. و تضمن تقريرها التصويت على إلغاء الفقرة الثانية من مقترح الفصل الرابع من مشروع القانون. و بالتالي تم الإبقاء على صيغة الاستثناء الواردة بالفصول 109 و110 و 112 و 113 من قانون منع غسل الأموال . و ينتقل السؤال الى الجلسة العامة لمجلس النواب و لجنة التوافقات التي يحضر أشغالها ممثل الحكومة لمعرفة أي الصيغتين ستبقى : ما تقترحه الحكومة و ما وراءها من ضغوطات دولية ، أو موقف لجنة التشريع العام المنتصر لموقف المحاماة التونسية ؟ و هو سؤال جدي ، خصوصا أنه ليس من الصعب ، التدقيق في أن هذا المقترح صدر عن اللجنة التونسية للتحاليل المالية . و هي اللجنة المحدثة بحكم الفصل 118 من القانون الأساسي الصادر سنة 2015، و بمقتضى الفصل 120 أوكلت إليها مهام متعددة ومن بينها « إصدار و نشر المبادئ التوجيهية الكفيلة بتمكين الأشخاص المذكورين بالفصل 107 من هذا القانون من ترصد العمليات و المعاملات المسترابة والتصريح بها" . و قد أصدرت هذه اللجنة بتاريخ 05 أفريل 2018 قرارها عدد 04 لسنة 2018 يتعلق بالمبادئ التوجيهية لترصد المعاملات المسترابة و التصريح بها الخاصة بمهنة المحاماة . و قد تضمن القرار اعتماد صيغة مشروع القانون الأساسي عدد 2018/28 المؤرخة في 02 أفريل 2018 و مجلس النواب لم ينظر فيه بعد ، و خصوصا الصيغة التي تلغي الاستثناء الوارد بالفقرة الأخيرة من الفصول 109 و 110 و112 و113 من القانون . و هو ما دفع بعض المحامين الى الطعن فيه . و تبقى مشروعية القرار محل تساؤل إلى حين صدور القانون في صيغته النهائية . إن السر المهني للمحامي هو أساس تعريف مهنة المحامي لكونه يحمي أسرار المتقاضي و الحريف. ويكرس الثقة في المحامي صلة وصله مع مؤسسات المجتمع. و هو جوهري بالضرورة لاستمرار الثقة في مؤسسات المجتمع الديموقراطي . و الأولى هي إضفاء النجاعة على المؤسسات المخولة لإنفاذ القانون والمؤهلة الى توثيق المعاملات و تداول الأموال . كما أنه لا يمكن إسقاط التجارب المقارنة على المحاماة التونسية لاختلاف الهيكلة ومحدودية الاختصاصات . و ما تنقله التجارب المقارنة حقيقة هو الجولات الطويلة من نضالات المحامين و المعارك القضائية التي خاضوها للدفاع عن السر المهني للمحامي من تشريعات مماثلة . و قد حصلوا على نتائج إيجابية بصفة كبيرة في دول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية و كندا و اليابان و أستراليا ، و نسبيا في الدول الأوروبية . و لكن لم يكن القبول بالمس بالسر المهني للمحامي في كل الأحوال يسيرا و سلسا . و قد كان الأمر كذلك في تونس. إذ كانت ردة فعل المحامين قوية. و تعبر عن نفس نضالي أصيل . و خلاصة القول ، إن هذه السطور على محدوديتها ، هي قراءة سريعة في جزء من مشروع القانون الأساسي عدد 2018/28 حاولت لفت النظر إلى ما يجب الانتباه إليه و التعمق فيه ، و في علاقة بقانون يهتم بإجراءات المحاكمة و مدى توفر العدالة فيها . إن عدم تقديم الحكومة جهة الاقتراح للأسباب الحقيقية لتقديم المشروع فيما عدا توصيات مجموعة العمل المالي الدولية و قصرها « تكريس مقومات المحاكمة العادلة « « بتمكين القاضي من تطبيق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية بالفصل 10 من القانون عدد 26 لسنة 2015. ذلك أن جملة المعايير الدولية ... تؤكد على ضرورة الاكتفاء بتسليط عقوبات متناسبة مع خطورة الجرائم الإرهابية دون مساس بحقوق المتهمين في محاكمة عادلة « يزيد من المخاوف على الحقوق والحريات الفردية ، و خصوصا أن بعض التقييمات ترد الأسباب الحقيقية إلى « تقييم حكومي « غير معلن بمساعدة بعض المختصين في القضاء لنتائج ما يسمى « بالحرب على الفساد « . و تزداد هذه المخاوف بمتابعة أعمال لجنة التشريع العام . إذ جرت في جو من الاستعجال. و لم تعبر عن أي من الجوانب العميقة للعمل التشريعي. وقد يكون مرجع ذلك الى النقاش العام الذي تشهده البلاد حول مقاومة الفساد بمناسبة كل عملية إرهابية تقع ، مما يجعل الحديث عن مخاطر كل تشريع يمس بقواعد المحاكمة العادلة مستبعدا. و لا يمس بالضرورة نقاطا تعبر عن عمق النقاش. و تؤدي إلى عدم ضمان شرط الاستدامة في النص التشريعي موضوع الإعداد . و يضع كل نفس نقدي لمثل هذه المشاريع في موضع الاتهام من منطلق شعبوي ، مما يستدعي مراجعة منهج عمل اللجنة والمجلس في مثل هذه المشاريع .و يستحضر المتابع لهذا المسار التشريعي مداخلات العميد كريستيان بورنازال في دفاعه المستميت عن السر المهني للمحامي تجاه تشريعات مماثلة و استشهاده الدائم بمقولة بنجامين فرانكلين : « من يضحي بحرية أساسية من أجل أمن محتمل لا يستحق لا الحرية و لا الأمن » .