هادئة رصينة في طباعها، صاحبة قلم متمرد، ينشد التغيير والتجديد والبحث عن الإضافة التي تؤسس للحياة الكريمة وتنتصر للفعل الإبداعي الجاد، قليلة الكلام كثيرة العمل، مناضلة في الحقل الثقافي بجد وصمت صريحة، واضحة في مواقفها التي تنبذ السطحية والاستسهال ... الفعل الإبداعي عندها معاناة تضحية وعطاء دون حدود هي الدكتورة فوزية المزي بلحاج التي لم يهدا لها الا بعد كسب رهان تأسيس الجمعية التونسية للنقاد المسرحيين. لتضيف صفحة جديدة الى صفحات نضالها الفكري والثقافي منذ اكثر من أربعين سنة ..انه قدر سيدة اختارت النضال اليوم... وكل يوم . كيف جاءت فكرة تأسيس الجمعية التونسية للنقاد المسرحيين -تعود فكرة تأسيس هذه الجمعية الى عشرين ستة خلت ففي 1998 بدأت بعض الأفكار تراود عددا من نقاد الفن المسرحي لتأسيس هذه الجمعية من ضمنهم احمد الحاذق العرف والمرحوم احمد عامر وحمدي الحمايدي ومحمد مومن وفتحي المناصري... غير انه تم رفض هذا المشروع من كان وراء قرار هذا الرفض - السلطة الحاكمة لم يتم البحث عن أسباب هذا الرفض قرار الرفض صدر من السلطة دون تقديم مبررات الرفض يعني نهاية حلم في ان تكون للمسرحيين جمعية تعنى بالنقد المسرحي -كان الإصرار كبيرا على كسب الرهان، ففي 2015تم بعث نواة من المهتمين بالشأن المسرحي تضم محمد مومن وفوزية المزي بلحاج ومحمد العوني، انطلقت هذه النواة في الاشتغال على جوهر الجمعية والمغزى منها ووظائفها على الساحة المسرحية وامتد الاشتغال حوالي ال9 أشهر... غير ان هذه الجذوة من الحماس سرعان ما خفت بريقها اعتبارا لظروف عديدة. لكن الإصرار كان كبيرا لكسب هذا الرهان فعلا كان علينا ان نستجمع قوانا ونقطع الطريق على الياس بان عدنا أكثر حماسا الى المشروع الحلم ومحاولة تجسيده مع محمد مومن وحمدي الحمايدي ومحمد المي ومحمد المزي بلحاج وهشام بنعيسى وفائزة المسعودي. ولابد من الإشارة في هذا المجال ان مشاركتنا في دورة 2017 لأيام قرطاج المسرحية مثلت لنا حافزا ودافعا قويا بضرورة تأسيس هذه الجمعية. كيف ذلك؟ كانت لنا مشاركة في ندوة ضمن أيام قرطاج المسرحية تناولت موضوع النقد المسرحي، ولاحظنا ان اغلب المتدخلين في هذه الندوة مانوا جامعيين وصاغوا مداخلاتهم بشكل أكاديمي انشائي وكأني بهم يصوغون دروسهم الى طلبتهم في الجامعة، ولم يقف الامر عند هذا الحد، فان تدخلاتنا كنقاد في هذه الندوة –محمد مومن وعبد الحليم المسعودي وفوزية المزي بلحاج –يتم تهميشه وعدم منحه التوقيت الكافي للتعبير عن فكرته وتوضيح موقفه، وبالتالي شعرنا بان هجمة قوية كانت تعد لنا لإقصاء الصوت النقدي مقابل اعلاء الغوغاء التي لا تتوفر على مشهد مسرحي عيني تحاول الحفر في مدلولاته وماورائياته الفكرية وهذا ما يجعل هذه التدخلات الاكاديمية فارغة من أي محتوى او مضمون مقنع ومفيد مثل هذا الامر حرك فينا الوازع لتفعيل مشروع تأسيس جمعية النقاد المسرحيين فانطلقنا منذ أواخر جانفي 2018 في عملية التأسيس، وهنا اشير الى الصعوبات المعقدة التي لقيناها في الإجراءات على امتداد 8 أشهر ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل كان علينا انتظار الحصول على التأشيرة من جويلية حتى 18 أكتوبر اليوم الذي صدر فيه قرار تأسيس الجمعية في الرائد الرسمي وأولى خطوة بادرنا بها، كانت الاتصال بإدارة أيام قرطاج المسرحية وعبرنا عن الرغبة في إرساء علاقة تشاركية مع المهرجان فعرض علينا مدير الأيام ان يحتضن الندوة الصحفية التي نظمناها للإعلان عن تأسيس الجمعية، وبمناسبة هذه الندوة الصحفية بادرنا بتكريم الناقد المسرحي احمد الحاذق العرف ايمان منا بدور هذا الناقد في التأسيس للمدونة النقدية المسرحية بجهود كبيرة جدا، وعايش الحركة المسرحية الحديثة منذ بدايتها في السبعينات ثم في اطار تعاملنا مع الأيام اسسنا « جائزة النقاد المسرحيين» واخترنا هذه السنة ان نسندها لمسار مسرحي ووقع الاتفاق على اسنادها للفنان الكاتب والمخرج حسن المؤذن، واعترض البعض على هذه الجائزة بتعلة انه كان من المفروض ان تسند الى ناقد مسرحي, الا ان الموضوع كان قد طرح في مستوى الهيئة المديرة، وبعد التداول راينا ان العمل النقدي في الفترة التي ينتظم فيها المهرجان لا يمكن ان يستوفي الشروط المناسبة، على اعتبار ان المرافقة الصحفية للمهرجان تتسم بالاستعجال والانطباعية والسرعة وان أي عمل جاد يتطلب وقتا أطول وحدا اقصى من التأني وهل اهتديتم إلى حل؟ -فكرنا في صيغ بديلة بالنسبة الى السنة المقبلة، وربما ستكون الجائزة مفتوحة على امتداد العام من خلال متابعة كل الاعمال المسرحية النقدية السيدة فوزية المزي بلحاج كناقدة وباحثة في علم اجتماع المسرح.. ما الذي تغير اليوم في العملية المسرحية التونسية -اعتقد ان التطور المسرحي في تونس ليس بمنأى عن النقل السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية في الشأن العام للبلاد نرى ان البلاد مرت بتغيرات مهمة جدا لم يبحث فيها الفكر التونسي وبالموازاة بقي الحراك المسرحي متعثرا لأنه لم يتوفر على علامات وعلى مصطلحات قيمية نحن في مجتمع يتحرك بدوافعه الخاصة وبمنظومة هويته ولكن مراجعه القيمية تستلهم من المصطلحات الخارجية والمسرح في حراكه يتشبث ويلهث وراء مصطلحات خارجية ويتوهم انه ملتفت الى واقعه هناك تناقض واضح بين عمق النقل « ضم انون وفتح القاف» الاجتماعية والاقتصادية ومحاولة التطور في الحركة المسرحية وهو تناقض ليس جدليا هو تناقض ال الى غربة المسرح عن واقعه هذا إقرار منك ان المسرح التونسي يعيش غربة اليوم - نعم هي غربة كبيرة وعلاقته الوحيدة بالواقع هي علاقة افتراضية هل لغياب النص دور في هذه الغربة -تغييب النص لم يقع بوازع موضوعي في إطار تجديد التجربة المسرحية ولكنه وقع بمفعول الانبهار من تجارب غربية لها مبرراتها الموضوعية المحلية والتي لا علاقة لها بالمبررات الموضوعية في تونس لكن هناك اعترافا دوليا بريادة المسرح على المستوى العربي -هذه شهادة من الغرب لأننا أعدنا مضغ مصطلحاته أنت متشائمة بمستقبل المسرح التونسي فعلا انا متشائمة بمستقبل المسرح التونسي لأنه بالموازاة مع هذه الغربة هناك استعمال خطير للطاقات الشابة تحت شعار « تشبيب المسرح» هذه الطاقات الشابة لم يكتمل نضجها ووعيها الفكري، الذي يحركها اليوم ليس فكرا مسرحيا ولا مشروعا مسرحيا ... ما يحركها هو الطموح الى الكسب والشهرة. 2019 انطلاق الدورة الأولى لموسم المسرح التونسي ... الا ترين في ذلك بارقة امل لانطلاقة جديدة وهامة ومتميزة للمسرح التونسي -أتمنى ذلك تعالت الأصوات في المدة الأخيرة مطالبة بالتخلي عن الدورية السنوية لأيام قرطاج المسرحية والعودة الى الصيغة الأولى في التنظيم.. هل انت مع هذا الراي -الدورية السنوية للأيام لم يسبقها تخطيط ولا تفكير ولا دراسة، وقد اثرت على القيمة الاعتبارية للأيام من الناحية المادية التي ارهقت التظاهرة وارهقت الطاقة الفكرية واللوجستية لها المفروض ان تسترجع الأيام دوريتها القديمة ولكن في الاثناء ضرورة الاعتناء بالحركة المسرحية وإعادة التفكير في دعم الدولة للمسرح عن طريق عقلنة وترشيد هذا الدعم على مستوى الإنتاج والتوزيع ثم احياء تظاهرة « أسبوع المسرح « وتظاهرة « ليلة المسرح «... تظاهرتان تنعشان المسرح وتجعله يصل الى المهرجان منتشيا متميزا مقترحاته الجمالية والفكرية، ثم لا ننسى ان إشكالية النص ارهقت الفعل المسرحي لذا من الضروري الحسم في هذا الامر ولنرغب الفاعلين بضرورة التفكير بجدية حول المسر خاصة وان الندوات الفكرية لا يحظرها اهل الشأن المسرحي، فالمسرحيون التونسيون ينتجون لأنفسهم، لا يتحاورون مع الفكر المتلقي، وهذا الفكر مصطلحاته مصاغة في النقد المسرحي وفي التفكير حول المسرح ومن الضروري ان يطلع عليها او يجادلها المبدع المسرحي . نحن نسعى جاهدين لتصحيح المسار المسرحي، لا نمتلك السلطة الإجرائية ولكن نعتبر ان لنا واجبا فكريا ثقافيا لنلفت النظر الى كل هذا، وليس هذا من باب التشاؤم لان املنا كبير في الطاقة الإبداعية والوعي الفكري لدى كل مبدعينا دون استثناء، لكننا عندما نقول ذلك فمن باب وضع النقاط على الحروف.