شرعت الدائرة الجنائية الاولى بابتدائية العاصمة مؤخرا في النظر في قضية تتعلق باعتداء حارس ضيعة فلاحية بواسطة بندقية صيد على شخص اشتبه في قيامه بسرقة الضيعة مما سبب له سقوطا مستمرا باحدى رجليه. وبالرجوع الى ملف القضية، يتضح أن سيدة تمك ضيعة فلاحية باحدى جهات ولاية أريانة، انتدبت أحد الاشخاص لحراستها ومتعته بالسكن داخلها. ويؤكد الحارس في مختلف مراحل بحثه انه منذ شروعه في عمله ضبط شابا خلال مناسبتين بصدد سرقة البرتقال من الضيعة، وأكد الحارس المتهم، أنه نبّه المتضرر الى خطورة أفعاله طالبا منه عدم العودة الى المكان واستدل المتهم بشهادات الشهود من الحراس ومالكي الضيعات المجاورة إذ أجمعوا على أن الشاب متعوّد على سرقة هذه الضيعات. ويوم الواقعة التي تعود الى أواخر السنة الفارطة، جاء في الابحاث ان الحارس ومع بداية الليل قام بعملية تفقّد حاملا معه بندقية صيد، ومع اقترابه من باب الضيعة لاحظ عددا من الاكياس مملوءة برتقالا أمام الباب، وبمزيد التثبت بحكم الظلام، لاحظ وجود شخص على جانب الطريق بانتظار سيارة أجرة، وبالمناداة عليه تبين له أنه نفس الشخص الذي ضبطه من قبل بصدد السرقة من نفس الضيعة. فدخل معه في مشادة كلامية انتهت بتصويب الحارس لفوهة البندقية نحو احدى رجلي الشاب وإطلاق النار عليها، مما جعله يسقط أرضا والدماء تنزف من رجله. هل نوى القتل؟ بحلول أعوان الحرس الوطني بمكان الواقعة، وجدوا المتضرر على حالته فقدموا اليه الاسعافات الاولية ثم نقلوه الى أحد مستشفيات العاصمة حيث اضطر للاقامة تحت العناية الطبية المركزة. وعند مباشرة حاكم التحقيق النظر في هذه القضية طرحت اشكالية هامة من شأنها ان تحدد التكييف القانوني الملائم لهذه الجريمة، وهي هل أن الحارس نوى حقيقة قتل اللص المتضرر؟ وقد انتهى قاضي التحقيق ثم دائرة الاتهام الى اتهام الحارس بجريمة القتل العمد مع سابقية الاضمار والترصد وحمل سلاح ناري دون رخصة. أما لسان دفاع المتهم فقد حاول أثناء المحاكمة إقناع هيئة المحكمة بأن منوّبه لم ينو إلا الدفاع عن نفسه، نافيا تهمة الاضمار باعتبار أن البندقية ليست على ملكه، كما جاء في المرافعة أن الحارس لم يترصد المتضرر بل هو الذي جاءه الى مكان عمله. وفي هذه الحالة فإن الحارس يصبح بمثابة المالك الوقتي للشيء الذي في حفظه وهي الضيعة. وذكر لسان الدفاع عنصرا آخر لا يقل أهمية برأيه وهو أن الواقعة حصلت ليلا وأن منوّبه تفطن الى أن المتضرر كان قريبا من مكان الاكياس المسروقة، وقد تفطن الى أنه هو ذات الشخص الذي تعوّد على السرقة بعد أن نادى عليه وتقدم باتجاهه خطوات، فطلب منه التوقف لكنه لم يفعل، ثم انه لاحظ عليه إدخاله يده داخل جمازته بما جعله خائفا من خطر داهم حيث يخيّل اليه لحظتها انه قد يكون بصدد إخراج سلاح قصد الاعتداء به عليه. وتواصلت مرافعة لسان الدفاع لتضيف عنصرا آخر وهو مكان إصابة المتضرر (على مستوى رجله) فبرأيه لم كان منوّبه ينوي القتل لما وجه فوهة البندقية نحو النصف السفلي من جسد المتضرر خاصة في ظل قرب المسافة بينهما وهو ما كان يسهل عليه توجيه الفوهة بصفة حرفية. كما جاء في المرافعة ان ما جاء في الابحاث يؤكد عدم نية القتل، باعتبار ان الحارس توجه مباشرة بعد اصابة المتضرر الى منزل مؤجرته نظرا لقربه من الضيعة وأعلمها بما حصل، ولم يلذ بالفرار عندما تولت المؤجرة إعلام أعوان الحرس هاتفيا بالحادثة وقد شهدت بذلك صحبة زوجها وابنها. وقد قررت هيئة المحكمة التأجيل لمواصلة النظر في هذه القضية.