الحرب على الإرهاب تستوجب طول النفس كما تستوجب وضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة والكفيلة بإلحاق الهزيمة النهائية بالارهاب وبالفكر المتشدد والمتطرف الذي يغذّيه.. وقد حقق أبناء مؤسستينا الأمنية والعسكرية حتى الآن نجاحات مدوية في مجال مقارعة الارهابيين. نجاحات مكّنت من توجيه ضربات قاصمة للجماعات المتحصنة بالجبال. كما مكّنت من المرور من استراتيجية التصدي للجماعات الارهابية إلى استباق تنفيذ أعمالها الشريرة.. حيث مكّنت هذه النجاحات والاختراقات من إضعاف هذه الجماعات ومن تجنيب البلاد والعباد اثار عمليات إرهابية مدوية تم اجهاضها بفضل الجهود الاستخبارية القيمة وحزم أمنيينا وعسكريينا في استباق تحرّكات ومخططات الارهابيين. لكن هذه النجاحات لم تخف وجود بعض الثغرات التي نفذ منها بين فترة وأخرى إرهابيون لنفث سموم حقدهم وتهديد أمن البلاد والعباد. وهو ما كان يدعو إلى ضرورة التحرّك باتجاه سدّ هذه الثغرات بما سوف يساعد على تضييق الخناق على الجماعات الارهابية ليصبح استئصال نبتتها الخبيثة من هذه الأرض الطيبة أمرا ممكنا. ولعلّ إعلان وزير الداخلية مؤخرا عن خطة توحيد القيادة الأمنية بالقصرين بين سلكي الشرطة والحرس الوطني وإعطاء هذه القيادة الصلوحيات اللازمة والمرونة في اتخاذ القرار والتعاطي الفوري مع التهديدات، أو العناصر الارهابية لإكساب عناصرنا الأمنية القدرة على المباغتة والتحرّك السريع ومن ثم مراجعة القيادات العليا، لعلّ هذا الاعلان يأتي ليسد الثغرات الموجودة وليحدث منعرجا حاسما في خططنا واستراتيجياتنا لمحاربة الارهاب وإلحاق الهزيمة النهائية بالارهابيين. ذلك أن جزئيات وتفاصيل من قبيل الاختصاص الترابي وعدم تدفق المعلومة وانسيابها وتبادلها بين الأسلاك الأمنية إلى جانب محدودية تنسيق الجهود والتحرّكات والتدخلات الميدانية شكل حتى الآن ثغرات يمكن أن يستفيد منها الارهابيون ويمكن أن تحدّ من نجاعة التدخلات بالسرعة والحزم اللازمين. كما أن هذه الخطة التي وضعت لتأطير التدخلات الأمنية بالقصرين قابلة للتوسع بل مطلوب توسيعها لتشمل كل الولايات التي يتواجد في جبالها الارهابيون حتى تضيق هوامش التحرّك على هؤلاء ويتم تجفيف المناخات التي يتغذون منها تمهيدا لاستئصالهم... وليكن واضحا أمام كل التونسيين والتونسيات أن الحرب الشاملة على الإرهاب وإلحاق الهزيمة النهائية بالارهابيين وبالفكر المتشدّد الذي يتغذون منه ليس مسؤولية المؤسستين العسكرية والأمنية فقط.. بل هي حرب تتطلب انخراط الجميع فيها بوعي وبمسؤولية أولا من خلال التحلي باليقظة والابلاغ عن كل تحرّكات العناصر المشبوهة لدى الجهات المختصة كما تتطلب من الحكومة تحرّكات سريعة ومدروسة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لتجفيف منابع التشدّد.. ومن النخب والمثقفين والمفكرين ورجال الدين المستنيرين بلورة مقاربات تشكل ردودا ثقافية وفكرية على الفكر المتشدّد وتؤدي إلى تحصين شبابنا من شرور التطرّف وتمكين الارهابيين من مدد يشكل تواصله تهديدا مستمرا لنمطنا المجتمعي ولاستقرار بلادنا.