عمق خوض رئيس حكومة الإصلاحات السابق، مولود حمروش (1989-1991)، في جدل الانتخابات الرئاسية والجيش، الغموض السياسي في الجزائر. وخلافًا لظهور سابق في جانفي 2014، حين ناشد مولود حمروش الجيش بالتدخل واعتبر أن الحل لن يكون سوى عبر تفاهم مؤسستي الرئاسة والعسكر، عاد «رجل الإصلاحات» في توقيت مشابه (عشية الانتخابات الرئاسية) ليرفض تدخل الجيش ويدعو الى إبعاده عن جدل الرئاسيات. وجزم حمروش الذي قاد الحكومة الجزائرية في بداية الأزمة الأمنية، أن خيار تدخل الجيش قد «أظهر محدوديته. وقد بينت التجارب والدراسات، بما في ذلك الدول العريقة اجتماعيا وديمقراطيا، حيث كان الجيش قد استخدم كأساس للحكم في وقت ما، أنها تضر بمهمته وغايته». وأبرز المسؤول السابق أن أي تدخل عسكري في الشأن الرئاسي سيكون خيارًا سيئًا يٌهدد تماسك مؤسسة الجيش الجزائري، مضيفًا أنه «يطمس علاقته مع المجتمع. ويهدد مفاصله وتنظيمه. ويضعف تماسكه وانضباطه. وأكثر من ذلك، فإنه يجبر عناصره، ولاسيما الضباط ، على التمسك بالإيديولوجيات ويصبح جزءًا من الصراعات الداخلية". ويقرأ مراقبون أن نشر حمروش مساهمة في صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية، لا يعدو إلا أن يكون «عرض خدمة» و»تلمّس بوصلة الاتجاه» و»لفت انتباه الممثليات الدبلوماسية الأجنبية»، وقد يكون أيضًا رغبة من المعني في تنبيه السفير الأمريكي بالجزائر الذي شرع قبل فترة في إجراء مشاورات مع قادة أحزاب ومسؤولين سابقين. ويطرح كثيرون اسم مولود حمروش ليكون كأحد بدائل وسيناريوهات خلافة الرئيس الحالي الذي تنتهي ولايته الرابعة رسميًّا في منتصف شهر أبريل2019، خصوصًا أن الرجل سبق له أن تولى المسؤولية في مرحلة حرجة دشنت بها الجزائر عهد التعددية السياسية. كما أنه حافظ على نفس المسافة بين المعارضة والسلطة. وظل يتفادى الصدام مع عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه الرئاسي. ولم يكن يتردد سابقًا في لقاء حلفاء بوتفليقة والتشاور معهم، وبذلك حافظ على «شعرة معاوية» مع الرئيس الذي أزاح جنرالات وقادة أمنيين وسياسيين بارزين لمجرد معارضتهم لتوجهاته في قيادة البلاد. كما تردد أن مولود حمروش تقابل في الصيف الماضي مع رئيس مجلس النواب المُنحّى، السعيد بوحجة، خلال لقاء «عاصف» بباريس. وهي الذريعة التي حركت نوابًا في حزبي السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) ضد بوحجة، حتى أخرجوه من الباب الضيق. وقرروا عزله من رئاسة البرلمان بواسطة منعه من دخول مكتبه وإقفال أبواب المجلس بالسلاسل الحديدية، في سيناريو غير مسبوق منحت له سياسياً مبررات «خيانة بوتفليقة بلقاء حمروش في فرنسا». وجرى اعتبار اللقاء بالمشبوه لأنه تمّ بعيدًا عن توجيهات القصر الرئاسي. إذ فُهم أن جهة أمنية نافذة هي التي حركت السعيد بوحجة في اتجاه مولود حمروش بحثًا عمن يخلف بوتفليقة الذي يواجه متاعب صحية. وهو ما أثار انزعاج شقيقه المستشار الرئاسي السعيد بوتفليقة، بحسب ما تداوله سياسيون ونواب. وفيما تُجهل الدوافع الحقيقية لظهور المرشح الرئاسي المنسحب أمام عبد العزيز بوتفليقة في رئاسيات 1999، تدفع أحزاب وتنظيمات عمالية وجمعيات مساندة للرئيس إلى تمديد فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة إلى ربع قرن. لكن بوتفليقة لم يعلن عن قراره في الترشح لولاية خامسة أو الانسحاب من المشهد السياسي الى حد الساعة. وقد ضاعف موقف الرئيس الجزائري من الغموض الذي يضرب الساحة السياسية منذ فترة. بينما يُعرف بوتفليقة بأنه يفضل منذ بداية حكمه «لسوسبانس»، ومن مميزات تسييره لشؤون الدولة هو الإعلان الفجائي عن القرارات والتعبير عن المواقف بربع الساعة الأخير. وتخوض الجزائر في أفريل القادم، انتخابات رئاسية يعتقد كثيرون أنها ستكون حاسمة. لكنها مرهونة بموقف من بوتفليقة إمّا أن ينسحب من السباق الرئاسي ويطوي بذلك حكمًا استمرّ منذ 1999، أو يُتمّم ربع قرن من التربع على عرش السلطة بقراره الترشح لولاية خامسة.