قامة شامخة في المدونة المسرحية التونسية... عبد العزيز المحرزي العاشق للإبداع في الفن الرابع، مازال على العهد يسير بخطى ثابتة وصلبة على طريق الإنتاج والإخراج المسرحي الذي يجمع بين المتعة والترفيه. رجل مواقف واضحة، حريص على ان يكون كل عمل ابداعي جديد إضافة لمسيرته العريقة في رحاب فرقة مدينة تونس للتمثيل التي حافظ على توجهها في التعاطي مع الفعل المسرحي من خلال المراوحة بين الكلاسيكي والكوميدي فكانت « الطيب ككح» تأكيدا لهذا التوجه لفرقة هي منارة شامخة في المسرح التونسي. كيف تقدم «الطيب ككح»؟ - «الطيب ككح» رجل شعبي.... يجسد شخصية الانسان التونسي في ستينات القرن الماضي... شخصية تجمع بين مهن مختلفة في الوقت نفسه فهو حلاق ويمارس مهنة ختان الأطفال في ذات الوقت... له من العمر 70 سنة... يعيش مغامرة عاطفية، غير انه يتم كشفه في اخر المطاف « الطيب ككح» عمل مسرحي جديد في مسيرة فرقة بلدية تونس للتمثيل وهي من نوع الكوميديا الراقية التي تعدمن خصوصيات فرقة بلدية تونس للتمثيل، كتب نص « الطيب ككح» الاديب محسن بن نفيسة والإخراج لعبد العزيز المحزري بمساعدة ريم الزريبي «الطيب ككح» تعكس التوجه الجديد لفرقة بلدية تونس للتمثيل وهو المسرح الكوميدي - ليس الامر بهذه الكيفية، ففرقة بلدية تونس للتمثيل معروف عنها المراوحة بين المسرح الكوميدي الراقي، والذي ينبذ الابتذال والمسرح الكلاسيكي. المراوحة بين المسرح الكلاسيكي والمسرح الكوميدي من تقاليد الفرقة التي أسس لها الراحل علي بن عياد فقد قدم « كاليغولا» و»مدرسة النساء» وقدم «هملت» و»الحزارة» وقدم «الماريشال» و»عطيل» وغيرها من الاعمال.. انه توجه متفرد للفرقة، دون ان ننسى تجاربها العديدة في مسرح العبث والمسرح التجريبي وغيرها من التجارب الإبداعية المتنوعة. حدثتنا عن الكوميديا او ما يوصف ب«الضمار التونسي» في تلك الفترة، فهل شهد تطورا إيجابيا أم سلبيا في عصرنا الراهن؟ «ضمارنا» تدهور وتراجع، وأصبح قلة حياء، أساسه الكلام البذيء، الذي كان موجودا من قبل، لكن إقحامه في الحديث كان بطريقة ضامرة حقيقة، حتى أنك لا تشعر باستعمال الكلمة، وفي المسرحية عملنا على إبراز ذلك، وعموما «الضمار» صعب للغاية لأن بينه وبين «البلادة» إن جاز التعبير، خيط دقيق جدا ماذا يعني المسرح بالنسبة لعبد العزيز المحرزي خاصة توجهك الى المسرح الكوميدي في جل اعمالك التي أشرفت على إخراجها -تربطني بالمسرح قصة حب لانهاية لها... المسرح هو المتنفس الوحيد فهو الذي يمكنني من مواصلة الحياة ويمنحني فرصة التعبير عن مواقفي من خلال المواضيع التي اطرحها بشكل مرح فيه رسالة. ولا أخفي سرا إذا قلت ان الكوميديا من أصعب الفنون بدليل ان أعظم الكتاب تناولوا العديد من المواضيع الهامة والتي لها علاقة بالمجتمع والحياة اليومية للمواطن وقدموها في شكل كوميدي ان المسرح الكوميدي ليس في متناول أي كان. انه اختصاص يتطلب دراية ومعرفة. سي عبد العزيز بعد هذه المسيرة المتميزة والثرية هل تحتفظ في ذاكرتك بيوم مثل لحظة فارقة في حياتك لن أنسي يوم 28 جوان 1975، لقد كان يوما لا يمكن نسيانه فعلا لقد كان رائعا في حياتي.. لقد قمت يومها بإخراج العمل الافتتاحي لمهرجان قرطاج الدولي وما أدراك ما مهرجان قرطاج في تلك الفترة. قمت بالإخراج بطلب من الراحل المبدع محمود المسعدي وكان في تلك الفترة وزير الثقافة. كنت يومها أصغر مخرج تونسي ينفّذ عمل الافتتاح. هناك يوم آخر على الصعيد الفني لا يمكن نسيانه وهو يوم 9 أفريل 2005 تاريخ اخراجي لمسرحية «المار يشال 2» وذلك باقتراح من السيد رئيس بلدية تونس والسيدة منى نور الدين.... هي عمل فني اردته تكريما لجيل الرواد مثل نور الدين القصباوي والتيجاني بن حمدة. هي مسرحية للذكرى والوفاء للرواد واتمنى انني وفقت. أما على الصعيد الشخصي قال بحزن شديد: «انه 26 جانفي 1992 يوم وفاة شقيقي علي المحرزي... لقد بكيت بحرقة على فراق صديق اكثر منه شقيقا. كيف يبدو لك المسرح التونسي اليوم؟ يعيش المسرح التونسي اليوم فترة تأرجح بين ما هو مميز يحمل إضافة ويدافع عن رؤية فنية إبداعية متطورة وبين المسرح الذي لا طعم ولا لون له بل يرسخ الرداءة الفنية... غير ان هذا التأرجح لا ينفي بروز تجارب جادة تبشر بمستقبل زاهر لهؤلاء المبدعين الشبان لإثراء الرصيد المسرحي التونسي المتميز تونس اليوم ماذا تقول عنها؟ غموض تام انه التشاؤم سي عبد العزيز؟ لا أخفي سرا إذا قلت أني متشائم جدا، ما لم يتم التدارك مستقبلا كيف ذلك من وجهة نظرك؟ -ادعو الطبقة السياسية الى الكف عن هذا الاسهال في الكلام لطمأنه الشعب بخطب جوفاء ممجوجة ومتكررة لا تغني ولا تسمن من جوع ادعو الطبقة السياسية الى الكف عن العزف المنفرد والعودة إلى قراءة التاريخ بعين ثاقبة حتى يتوقفوا عند نهاية المرتزقة والمتخاذلين في كل المجالات. ان تونس اليوم تعيش وضعا مترديا في ظل غياب العمل الاقتصادي الجاد ، وفي ظل انهيار قيمة الدينار وغياب واضح لرؤية او برنامج انقاذ وطني في كل المجالات . بعيدا عن المسرح ومشاغله هل تتذكر اول كتاب قرأته؟ لا أستطيع أن أتذكر اول كتاب لأن ذلك كان منذ سنوات بعيدة فأنا افتتنت مبكّرا بالقراءة في مدرسة الحلفاوين وكان والدي يشجّعني على القراءة رغم أنه كان يعمل في قطاع بعيد عن الثقافة. ألا يوجد كتاب أثّر في وجدانك؟ نعم، هو كتاب المرحوم محمد المرزوقي «معركة الزلاج» من خلال هذا الكتاب فهمت شيئا أساسيا هو كيف يموت الانسان من اجل هويته ووطنه وثقافته. هذه مسألة اساسية أثّرت في تكويني النفسي وثقافتي واختياراتي. وتراني أميل أساسا الى قراءة القصة والرواية والمسرح وخاصة النصوص المرجعية في المسرح: شكسبير موليير يونسكو بيكيت جان جينيه... واشير من جهة أخرى ان اغلب قراءاتي باللغة الفرنسية، انا من جيل كانت فيه الفرنسية حاضرة بقوة ، لذلك تلقيت تكوينا ثقافيا بالفرنسية ولا يعني هذا انني لا اقرا باللغة العربية.