اعتبر المسرحي عبد العزيز المحرزي مسرحيته الجديدة «الطيب ككح» «مسلاة» مسرحية، تعبق بروح ضمار الخمسينات والستينات في المجتمع التونسي، داعيا الجيل الجديد، إلى مشاهدتها. تونس (الشروق) يحتضن المسرح البلدي بالعاصمة، مساء الخميس 29 نوفمبر الجاري، العرض الأول للمسرحية الجديدة لفرقة بلدية تونس للتمثيل (فرقة مدينة تونس بإدارة الفنانة منى نور الدين)، «الطيب ككح» التي أخرجها المسرحي عبد العزيز المحرزي بمساعدة ريم الزريبي، عن نص لمحسن بن نفيسة، وتجمع على الركح كلا من إكرام عزوز وكوثر الباردي وأميمة المحرزي ومحرز حسني المعروف ب»شكالو» وشكيب الغانمي وإباء حملي، عن هذا العمل الجديد من نوع «الفود فيل» للفرقة البلدية كان لنا هذا الحوار مع مخرجها، القيدوم عبد العزيز المحرزي: لننطلق من العنوان، ما المقصود ب»الطيب ككح»؟ العنوان يتركب من عبارتين، الأولى «الطيب» وهو إسم شخصية من شخصيات المسرحية، ويجسدها الممثل إكرام عزوز، وهي شخصية من شخصيات سنوات الخمسينيات والستينيات في تونس ، كان يشتغل حلاقا و»طهارا» (يقوم بختان الأولاد)، وبالنسبة للعبارة الثانية، فيها إشارة إلى القدم، ونستعملها في مجتمعنا للإشارة إلى هذه الرمزية، حين نقول «من عام ككح»، وبالعودة إلى «الطيب» هو شخصية كبيرة في السن، لكن صغيرة في الفكر، غرتها الأيام، وظن الطيب أنه مازال شابا وسيما، وتزوج ب»ترنكوشة» عمرها 30 سنة (أميمة المحرزي)، ومع ذلك لم يمل ولم يضجر وأصبح يبحث عن فتاة في سن العشرين.. ينصب له فخ فيقع فيه، لكن هل سيكون هذا الفخ بمثابة «طريحة التوبة» أم سيواصل؟.. كنت أشرت في بداية الحوار وكشفت مع بداية تمارين المسرحية أن أحداثها تدور في ما بين فترتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فلماذا اخترتم هذه الفترة الزمنية؟ فعلا المسرحية تدور أحداثها بين سنوات 1950 و1960، وهذا اختيار الكاتب محسن بن نفيسة، أراد من خلاله أن يعود بنا إلى الزمن الجميل أو السنوات الجميلة من تاريخنا، وأن يعطي فكرة عن التونسي في تلك الفترة وخاصة العلاقات الأسرية وعلاقات الصداقة، ويمكن القول أن هذا الاختيار عبارة عن «فلاش باك» على «الضمار التونسي» في تلك الفترة وعلى طريقة التعرف على زوجة المستقبل، ولذلك سنقدم لمحة مصورة عن تونس القديمة، كما ستتجلى الفترة المقصودة من خلال الملابس والأكسسوارات والديكور المبتكرة خصيصا للمسرحية. تحدثت عن «الضمار التونسي» في تلك الفترة، فهل شهد تطورا إيجابيا أم سلبيا في عصرنا الراهن؟ «ضمارنا» تدهور وتراجع، وأصبح قلة حياء، أساسه الكلام البذيء، الذي كان موجودا من قبل، لكن إقحامه في الحديث كان بطريقة ضامرة حقيقة، حتى أنك لا تشعر باستعمال الكلمة، وفي المسرحية عملنا على إبراز ذلك، وعموما الضمار صعب للغاية لأن بينه وبين «البلادة» إن جاز التعبير، خيط دقيق جدا. في العادة لا يخرج المحرزي غير النصوص التي قام بتأليفها، فهل وجدت صعوبة في إخراج نص بن نفيسة؟ بصدق، وجدت صعوبة في إخراج نص محسن بن نفيسة، لكن صاحب النص سهل علي المهمة من خلال موقفه حين سمح لي بحرية التصرف في النص، ولا أعتقد أن تجربة الاشتغال على نص غيري ستتكرر، لأنني تعودت على الكتابة لنفسي كمخرج، حيث يكون الإخراج واضحا في ذهني، وكذلك الشخصيات، لذلك وجدت إشكالا في الكاستينغ. من من الشخصيات وجدت صعوبة في إيجادها؟ في الواقع من الصعب أن تجد شخصية عمرها ما بين 17 و20 سنة وتكون متمرسة في التمثيل على خشبة المسرح، كما وجدت صعوبة في إيجاد شخصية عازف عود يجيد التمثيل، وقد اتصلنا بثلاثة موسيقيين، لهذا الدور وهم هيثم الحضيري ومحمد الهادي العقربي وعادل سلطان، لكن جميعهم اعتذر لأسباب مختلفة، ولكن في الأخير وجدنا ضالتنا في الممثل وأستاذ المسرح شكيب الغانمي الذي يجيد أيضا العزف على آلة القيتارة، وشخصيا تفاجأت به وسيكون له شأن في المستقبل. هل من لمحة عن بقية الشخصيات، في علاقة بخرافة المسرحية؟ إلى جانب «الطيب» وزوجته «الترنكوشة»، هناك شخصية «علجية» (كوثر الباردي)، المربية التي تعيش في منزل «الطيب»، والتي تنوي الانتقام لوالدتها من عائلة الطيب وبالتالي حاولت مراودته للاستحواذ على ثروته مما دفع بها إلى أن ترسل له فتاة (إباء حملي) لمراودته والإيقاع به في ما لا تحمد عقباه ، وهناك «عصفور» (محرز حسني) الذي يريد الزواج ب»علجية». هل ترى أن مسرحية من هذا النوع، قادرة على التعبير عن انتظارات الجمهور في ظل الوضع العام السياسي والاجتماعي الذي يعيشه؟ المسرح بالأساس سياسي لكن الطرق تختلف، فهناك من يقرأ السياسة بشكل معمّق ويبحر فيها بطريقة جدية، وهناك طريقة كوميدية خفيفة لها القدرة أيضا على طرح المشاكل السياسية بطريقة أسهل، بيد أننا في مسرحية «الطيب ككح» أردنا أن نرفه عن الجمهور في هذا الراهن المأساوي بما سميته «مسلاة مسرحية» أو تسلية مسرحية إن شئنا نحاول من خلالها أن نبرز نوعا من الراحة والطمأنينة التي كانت موجودة في مجتمعنا، والتي أصبحت اليوم وللأسف مفقودة، ولما تشاهدون الوثائق المصورة التي سنبثها في المسرحية، سترون كيف كان مجتمعنا على قدر كبير من النظام والنظافة، وأتمنى أن تكون هذه الصور عبرة لنا جميعا. في مونودرام «اشهد يا الأيام» كنت شاهدا على أحداث دونتها وفضحتها، واليوم ماذا تقول للسياسيين؟ أقولها والدمع في عيني لا سامح الله من أخطأ وأذنب في حق هذا الشعب، مدّعيا الإصلاح والمصالحة، مستثمرا المصائب والأزمات التي تسبب فيها أشباه سياسيين وسياسيون مراهقون، ومحترفو النفاق والمغالطة، لهم جميعهم أقول: «ما يعجبك في الدهر كان طوله وراهو التونسي رقاد في الخط دوار في الحلة».