تتزايد المخاوف في تونس من العزوف عن التصويت في الانتخابات العامة المقرر تنظيمها نهاية العام الحالي. وتصل التقديرات الى توقّع غياب حوالي مليون ناخب. تونس(الشروق) هذه المخاوف تأكدت بعد تسجيل نسبة عزوف قياسية في أول انتخابات بلدية خلال شهر ماي الماضي. حيث لم يشارك في التصويت سوى ثلث المسجلين (33.7 بالمئة). وهي رسالة غضب توجه بها الشباب الى السياسيين وفقا لمتابعين للشأن الانتخابي. وكانت مؤسسة سيغما كونساي المتخصصة في سبر الآراء قد أصدرت قبل أربعة أشهر من تنظيم الانتخابات البلدية توقعات ببلوغ نسبة العزوف عن هذه الانتخابات المحلية 61.2 بالمئة. وتقل هذه النسبة بخصوص الانتخابات التشريعية لتصل 48.7 بالمئة وتنخفض أكثر بخصوص نوايا التصويت في الرئاسية. وترتفع نوايا عدم التصويت في الانتخابات المقبلة وفقا لسبر آراء جديد لسيغما كونساي لتبلغ 66 بالمئة بالنسبة للانتخابات التشريعية و57 بالمئة بالنسبة للانتخابات الرئاسية. كما يتوقع ذات المصدر تحسنا في نسب نوايا المشاركة مع اقتراب موعد الانتخابات أي باتضاح البرامج وأسماء المترشحين. وتشير مؤسسة امرود كونسيلتينغ في عملية سبر آراء بخصوص الانتخابات القادمة الى أن 39 بالمئة سوف يشاركون في الانتخابات التشريعية و45 بالمئة في الانتخابات الرئاسية. وكانت نسب التصويت في تشريعية 2014 في حدود 67 بالمئة وفي الرئاسية 60 بالمئة. فهل ودّعت تونس نهائيا الطوابير الانتخابية؟ من الخاسر من هذا الواقع الانتخابي الجديد؟ وكيف يمكن أن نتجاوز محنة العزوف عن المشاركة في الانتخابات؟ الرغبة في التغيير ثمة محدد رئيسي للإقبال على الانتخابات وهو رغبة الناس في التغيير. فبعد انهيار نظام بن علي ساد الاعتقاد لدى الناس أن المشاركة في الانتخابات والتصويت بكثافة يعني المشاركة في التأسيس للجمهورية الثانية. فكان الازدحام في طوابير ما أسمته الصحافة الدولية ب"العرس الانتخابي" في تونس. ثمّ عادت تلك الطوابير الى التشكل في انتخابات 2014 وهي أول انتخابات برلمانية ورئاسية ما بعد الثورة الا أن حصاد السنوات الخمس الأخيرة جعل الناس يعودون الى حالة انكماش ما قبل 2010. حيث عزف الناس عن المشاركة في الانتخابات ولم تكن الانتخابات شأنا عاما بقدر ما كانت عيدا للأنصار. هذا النفور يفسره أغلب المتابعين للشأن العام بالمنطقي باعتباره نتيجة حتمية لأداء السياسيين. فالسياحة الحزبية تحت قبة البرلمان جعلت الناس ينفرون من العودة الى انتخاب نوّاب جدد. كما أن المعارك الحزبية والانشقاقات وعدم وجود حد أدنى من القواعد الأخلاقية في الصراع السياسي حيّد المسار من معالجة الملفات ذات الأولية التي تهم الاقتصاد والمعيش اليومي للتونسيين الى أولوية التحالف السياسي وتصفية الخصوم الأمر الذي زاد من نفور عموم الناخبين من المشاركة في العملية الانتخابية. وقد اتضح هذا الأمر في الانتخابات المحلية الأولى من نوعها ما بعد الثورة والتي لم تستقطب رغم بعدها المحلّي المصوتين. وساد العزوف بشكل قياسي الامر الذي اعتبره المتابعون للشأن العام بمثابة رسالة احتجاج قوية من حوالي مليون مسجّل قاطعوا الانتخابات. فكيف يكون الأمر في 2019 ومن هو الخاسر الحقيقي من هذا الواقع الانتخابي الجديد في تونس؟ عيد الأنصار إذا قاطع التونسيون الانتخابات فإن الانتخابات المقبلة سوف تكون عيدا لأنصار الأحزاب الكبرى وبالتالي العودة الى ما قبل 2010. تلك الأحزاب، وهي أساسا حركة النهضة والحزب الأقوى ذو المرجعية الدستورية الذي لم تتضح بعد ملامحه إن كان حركة نداء تونس أو المشروع السياسي الجديد ليوسف الشاهد وفقا لخارطة التحالفات السياسية الجديدة، سوف تكون الرابح الحقيقي من هذا الفراغ. إذ لها خزانها الانتخابي من الأنصار والاتباع والموالين والذين سوف يخرجون للتصويت التزاما بالواجب الحزبي وبالتالي سوف تهدينا انتخابات 2019 ذات الخارطة الحزبية الحاكمة. وبالنظر الى اللاعب السياسي الجديد، الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لم يفسّر بعدُ كيف يكون معنيا بالانتخابات القادمة وان كان سوف يشكل قائمات أو سوف يدعم ترشح أشخاص، فإن من سوف يخرجون للتصويت سوف يكونون أيضا ملتزمين نقابيا أكثر مما هم ملتزمون بالواجب الانتخابي والحال أن تغيير الوضع لا يكفي فقط بإحداث توازن على مستوى الترشحات وترجيح كفة التنافس. بل أيضا بحث الناس بكثافة عن التصويت لإحداث التغيير العميق. وفي المحصلة ماذا يعني عدم خروجك للتصويت في الانتخابات القادمة؟ هو يعني استمرار الوضع الحالي كما هو عليه أي استمرار ذات الوجوه الحاكمة بذات البرامج المفقودة وبذات الاطماع في الاستفراد بالحكم. وسوف يجد التونسي نفسه مخيرا إمّا ان يخرج للتصويت لتغيير هذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو عليه التصالح مع مجمل الأزمات التي يعايشها مثل ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وتراجع الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والنقل ونقص الأدوية وارتفاع معدلات الجريمة وتنامي مجمل الظواهر الاجتماعية السلبية بسبب انتشار المخدرات والعنف. برنامج تحسيسي تعليقا على نسبة العزوف القياسية في الانتخابات البلدية كان رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري في تصريح إعلامي "المهم أننا أجرينا الانتخابات، هي لحظة تاريخية لتونس" مضيفا "سننجز الأفضل في المرة القادمة". وحول هذا "الافضل" الذي ننتظره من الهيئة لتجاوز أزمة العزوف التي صبغت الانتخابات المحلية في ماي الماضي وتهدد الانتخابات التشريعية والرئاسية في خريف العام الحالي قال عادل البرنس نائب رئيس الهيئة إن التسجيل حاليا مفتوح في 27 هيئة فرعية وهو يشهد اليوم إقبالا ضعيفا نظرا الى ان الموعد الانتخابي مازال بعيدا. وأضاف "طبعا سنقوم بحملة تحسيسية واسعة للدعوة الى المشاركة في التصويت والعمل التحسيسي متواصل في الهيئة وقد يكون زخم الثورة الذي رأيناه في المواعيد الانتخابية السابقة قد غاب. لكن هذا لا يمنع أننا نعمل في الهيئة متفائلين ومتخوفين. ونجاحنا هو المشاركة أكثر ما يمكن في التصويت. فهدفنا هو إنتاج قيم ديمقراطية وتخوفنا نابع من حرصنا المفرط على النجاح وتكوين جيل جديد يؤمن بالديمقراطية". وأكد البرنس أن لدى الهيئة برنامج لقاءات مع الأحزاب والمنظمات والإعلاميين خاصة بعد تحديد موعد الثلاثاء المقبل في البرلمان لانتخاب رئيس الهيئة واكتمال النصاب في مجلس الهيئة مؤكدا أن المجتمع المدني شريك استراتيجي بالنسبة للهيئة في ما يتعلق بالتحسيس والتوعية. معز بوراوي خبير في الشأن الانتخابي :العزوف يعني مقاعد إضافية للأحزاب هناك توقعات بزيادة نسبة العزوف عن التصويت في الانتخابات المقبلة كيف تنظر الى هذه المخاوف؟ هي مخاوف جدية وموضوعية. وهذا ما حصل في الانتخابات البلدية التي هي رمز لإرساء ديمقراطية جديدة وحوكمة تشاركية الا أن نسبة العزوف كانت قياسية وبالتالي مررنا من أزمة ضعف الثقة الى أزمة انعدام الثقة والأحزاب السياسية هي التي يتحمل مسؤولية هذا الامر وخاصة الأحزاب الحاكمة سواء كانت في البرلمان أو في السلطة التنفيذية. وبالتالي العزوف الانتخابي هو أزمة لا يمكن تفسيرها خارج اطار الثقة والخوف كل الخوف أن هذا العزوف يزداد في الانتخابات القادمة. وباستمرار أزمة هيئة الانتخابات وتأجيل جلسات سد الشغور وانتخاب الرئيس في كل مرة دخلنا من باب السخرية من المواطن وهذا ما يتبقّى في ذاكرة المواطن. وهي كلها مؤشرات تؤدي الى أزمة الثقة. والعزوف عن التصويت أمر يساعد الأحزاب التي لها خزان انتخابي. فهذا يعني مزيدا من المقاعد بالنسبة اليها وبالتالي أصبحنا نواجه تلاعبا حزبيا بالبلاد. لذلك رأينا ناخبين يعاقبون الأحزاب بالتصويت لمستقلين في الانتخابات البلدية. كيف يمكن أن نتجاوز أزمة العزوف؟ هذه المشكلة برزت منذ مدة بسبب الأداء دون المأمول للأحزاب ونظريا ليس لديك ما تفعل والدور محمول على الاعلام والهيئة المستقلة للانتخابات والمجتمع المدني للعب دور تحسيسي. فالعزوف يعني مضرّة واذا أراد الناخبون معاقبة الأحزاب ما عليهم سوى بالتوجه الى التصويت وإن أرادوا ايضا مجازاة أحزاب ما عليهم سوى التصويت. 33.7 ٪ فقط من المسجلين في الانتخابات صوتوا في الانتخابات البلدية 67 ٪ وفي الرئاسية 60 بالمئة هي نسب التصويت في انتخابات 2014 32.65 ٪ هي نسبة الفئة العمرية 18/35 في السجل الانتخابي للانتخابات البلدية 2018 46 ٪ كانت أعلى نسبة مشاركة في التصويت في الانتخابات البلدية. وقد سُجّلت هذه النسبة في المنستير 39 ٪ سوف يشاركون في الانتخابات التشريعية و45 بالمئة في الانتخابات الرئاسية وفقا لمؤسسة امرود كونسيلتينغ لسبر الآراء 66 ٪ سوف يشاركون في الانتخابات التشريعية و57 بالمئة بالنسبة للانتخابات الرئاسية وفقا لمؤسسة سيغما كونساي لسبر الآراء