اعتبرت المخرجة المسرحية الشابة، آسية الجعايبي، أن والدتها الممثلة جليلة بكار، ستظهر في شخصية مختلفة عن الشخصيات التي قدمتها سابقا مع والدها المخرج فاضل الجعايبي، في مسرحيتها «مادام م». تونس (الشروق) هي شابة من الجيل الجديد ، طموحة، مثقفة، وراقية، وهي إلى ذلك، ابنة هرمين من أهرام المسرح التونسي، فاضل الجعايبي وجليلة بكار، وكان من الطبيعي أن تكون عاشقة للفن الرابع بالوراثة، فالمسرح ليس مجرد خشبة أو عرض بالنسبة لها، هو عشق نشأ معها منذ الطفولة، وقيم تربت عليها، بيد أن ذلك العشق، لم يشف الغليل، وجعل طموحها جامحا، لتكون مخرجة مسرحية باستحقاق، لا بالوراثة، فاختارت بعد الدراسة بمدرسة المعلمين العليا بتونس، أن تواصل دراسة المسرح في السربون، وبعد 08 سنوات من دراسة المسرح والنص المسرحي ثم فن الشارع، خاضت خلالها عديد التجارب، في تظاهرات فرنسية، عادت لتونس واشتغلت في الإضاءة والديكور في عدد من المسرحيات، ومنها الإضاءة والسينوغرافيا في مشروع "أنا برشا" مع مجد مستورة... هي باختصار المخرجة الشابة آسية الجعايبي، التي اختارت أن تدخل غمار الفن الرابع من باب قاعة "الفن الرابع" وعبر "فاميليا للإنتاج"، في عرض قبل الأول لمسرحيتها "مادام م." مساء الجمعة 25 جانفي 2019، وأن تخرج الممثلة القديرة جليلة بكار من جلباب المخرج فاضل الجعايبي، قادمة من مسرح الشارع، الذي تحب، ومستعدة إلى عرض عملها الجديد في الشارع حتى يتابعه أكثر عدد ممكن من الجماهير. آسيا الجعايبي، في أول حوار صحفي لها، شددت على أنها، تسعى جاهدة لتجسيد ما درسته بفرنسا، لتقدمه للجمهور التونسي، مبرزة أنها درست اختيارها وهو مسرح الشارع، لأن العلاقة مع الجمهور تبدو لها أقوى، والتساؤلات التي تطرح في الشارع لا تطرح داخل قاعة المسرح، لكن عملها الجديد الذي أنجز ليقدم داخل المسرح وخارجه، يبقى الحلم الذي سعت إلى تجسيده منذ شهر ماي من العام الماضي، ليرى النور موفى شهر جانفي من العام الحالي. «مادام م» "المسرحية من نوع المسرح التجريبي، تفرغت لها منذ شهر ماي، وهي كتابة جماعية، لأنني اخترت العمل بهذه الطريقة: أقدم الفكرة إلى الممثلين، يتبنوها وتدور الفكرة وتتعدد المقترحات ثم تعود لي بما أنني المخرجة، لاتخاذ القرار الأنسب الذي يتماشى والرؤية الإخراجية التي رسمتها، وهذا الاختيار نابع من قناعتي بأن حرية التصرف في الفكرة تضيف للعمل ككل.."، هكذا استهلت محدثتنا حديثها عن مولودها المسرحي الأول. أما عن مضمون المسرحية، حاولت آسية عدم الكشف عنه، والاكتفاء بما جاء في الملخص، من أنها تحكي عن عائلة تتكون من الأم (جليلة بكار) وأبنائها الخمسة، في غياب الأب، تحصل حادثة في "حومتهم"، تكون منطلقا للقاء صحفية.. لقاء سيكون منطلق وسبب أحداث لاحقة، في شكل تراجيدي، معطيات جعلتنا نسأل محدثتنا، "المسرحية سياسية؟ والأم على ما يبدو هي تونس؟"، فأجابت: "الجواب في المسرحية أثناء العرض". كما أبرزت محدثتنا في نقاشنا حول شكل المسرحية أو نوعها، أن "مادام م." تستحضر خلالها عديد الأشكال المسرحية فالتراجيديا غالبة ولا ريب، لكن الكوميديا حاضرة، و"حكاية المسرحية يراها الجمهور كما يريد هو أن يراها، فيمكن أن تكون صعبة ويمكن أن تكون مخيفة، وتجعلك تتساءل، مثلما تجعلك تحكم عليها بالغريبة.. المهم تطرح عديد التساؤلات متعددة الأنواع.. وليس ثمة رقص لكن الكوريغرافيا حاضرة، كما الاشتغال على الجسد، والإيقاع والاشتغال على الفضاء"، على حد تعبيرها. حكاية الكاستينغ جليلة بكار ومنى بلحاج زكري ومعين مومني وإيمان غزواني وحمزة الورتتاني، هم أبطال مسرحية "السيدة م."، وباستثناء والدة المخرجة، فإن البقية شبان تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة وكلهم متفرغين للمسرح وكل ممثل منهم مغرم بشيء ما أضاف للعمل، فمعين مومني مثلا رسام ومنى بلحاج زكري تعمل كثيرا مع الأطفال وخلقت ديناميكية على الركح، حسب تصريح آسية الجعايبي. وبخصوص الممثلين أكّدت محدثتنا أنهم اتصلوا بها في السنة الماضية، لتساعدهم في مشروع صغير في مهرجان ليون بفرنسا، حيث يقدم المهرجان موضوعا وكلمة، ويطالب الفريق بإنجاز مشروع صغير، فكان مشروع "تجربة" في 20 دقيقة، مدة أسبوعين، وكانت على حد قول محدثتنا، تجربة جميلة، خلقت طاقة كبيرة، في وقت كانت تخامرها فيه فكرة مسرحية "مادام م."، فاختارت العمل مع هذه المجموعة. أما الفنانة القديرة جليلة بكار، فقالت بخصوص مشاركتها، وإجابة عن عديد الأسئلة المتعلقة بها باعتبارها والدتها وبطلة عملها: "كتبت ملفا، قرأته، طلبت منها تجسيد دور الأم، فوافقت دون تردد، والمسرحية لم تكن لتكون كما هي عليه كما ستشاهدونها لولا وجود جليلة بكار، وأنا سعيدة جدا بمشاركتها في العمل، ومحظوظة بأنها أمي، علما وأنها لم تتدخل سوى عندما كنا نستحقها، بل وتطلب منا أن نجرّب.. وأمي أضافت لي في جانبين الأول، هو الطمأنينة، لأنها لن تقبل البتة أن تكون في عمل خاطئ والثاني جعلتني أكبر، وكسرنا الحواجز التي ربما كانت موجودة بيننا في البيت..". «مختلفة عما قدمته مع أبي» وعما إذا كانت جليلة بكار ستقدم شخصية مختلفة عن الشخصيات التي قدمتها في أعمالها السابقة مع المخرج فاضل الجعايبي، قالت آسية: "نعم مختلفة لأنني ببساطة لست أبي، ولأن التناول، والموضوع جديدين ولم يقدما في السابق، ولأن مراجعي مختلفة عن مراجع فاضل الجعايبي، ولو أنني تعلمت منه ومن والدتي الكثير، وبالمناسبة، لم أتحدث معه عن العمل وعن تفاصيله، وسيكتشفه كغيره من الجمهور خلال عرضه قبل الأول. وبخصوص تخوفها من رأيه مثلا، اعتبرت محدثتنا أنها تأمل أن ينال العمل إعجاب والدها، وأنه في حال عدم إعجابه بالمسرحية ستواصل وتبذل أكثر مجهود في عملها، بيد أنها شددت على أن المهم في أي عمل مسرحي أن يكون فريق العمل مقتنع بما يقدمه. وقبل أن نختم حوارنا، سألنا آسية، عن رأيها كمخرجة مسرحية شابة عن الوضع العام بتونس، فأجابت: "أخيّر أن تحكي مسرحيتي بدلا عني"، وهذا إقرار غير مباشر بمضمون المسرحية الذي تسترت عنه في بداية الحوار.