منذ عام 1950 قام باحثون بقياس المحتوى الغذائي للغذاء. فإلى جانب الكربوهيدرات والبروتينات والدهون الأخرى فإن توفّر المغذيات الدقيقة - الفيتامينات، المعادن، العناصر النزرة، الأحماض الدهنية والأحماض الأمينية - ضروري لصحتنا. فهي ضرورية لكل العمليات الكيميائية ولإنتاج الطاقة وهضم الغذاء والحفاظ على التوازنات داخل أجسامنا وكل نقص فيها يعرّضنا للأمراض. كل الدراسات تشير إلى تراجع القيمة الغذائية للخضر والغلال وغيرها. ففي الخمسينات من القرن الماضي كان تناول الموز والبرتقال والخوخ كافياً لتوفير المدخول اليومي المنصوح به للشخص من فيتامين أ A. أما اليوم فللحصول على نفس كمية الفيتامين أ علينا تناول 5 حبات موز و 10 حبات برتقال و 26 حبة خوخًا. هذا ما نشرته دراسة صدرت في كندا في جريدة The Globe and Mail و CTV News الرائدة في البلاد. قارنت هذه الدراسة جداول العناصر الغذائية التي تم نشرها في أوقات مختلفة مع مستويات الفيتامينات والمعادن في 25 فاكهة وخضراوات. فتفاحة 1950 تعادل 100 تفاحة اليوم. بالنسبة لفيتامين (أ): برتقالة الأمس = 21 برتقال اليوم، 1 خوخ لسنة 1950 = 26 خوخ اليوم. بالنسبة للكالسيوم: أربع مرات أقل في البروكلي. تظهر عشرات الدراسات من الجامعات الكندية والأمريكية والبريطانية المنشورة بين عام 1997 واليوم انخفاضًا في تركيز العناصر الغذائية في غذائنا. فحتى في الأطعمة الصحية ذات السمعة الطيبة انخفض إجمالي الفيتامينات أ A و ج C ، والبروتين والفوسفور والكالسيوم والحديد والمعادن الأخرى أو العناصر النزرة إلى النصف وحتى 100 % وذلك في نصف قرن. يتهكم البعض من هذه الوضعية ويتساءل: هل نحن مجبرون على تناول نصف صندوق من الخضر والغلال للعثور على الصفات الغذائية الضرورية؟ بالأمس كان أجدادنا يستهلكون 400 ميليغرام من فيتامين ج C يومياً وهي الكمية الضرورية للحفاظ على صحة البشرة والعظام. هذا فيليب ديسبروس دكتور في العلوم البيئية في جامعة باريس السابعة وناشط من أجل الحفاظ على البذور القديمة يستنكر: «بعد عقود من التهجين اختارت صناعة الأغذية الزراعية الخضروات الأكثر جمالا ولكن نادرا ما تكون أغنى من حيث التغذية.» فهذا التراجع قد طال كل الخضراوات. فحتى البطاطا والبصل أصبحت فقيرة في المعادن والفيتامينات. أما القمح والصويا فهي اليوم أكثر فقرا في الزنك والنحاس والحديد مقارنة مع مثيلاتها خمسين سنة خلت. لقد بحث الإنسان عن الكمية وتغافل عن الجودة وأضاع البذور الأصلية وهجّن البعض منها ولا زال. نأكل كثيرا ونصاب بالسمنة ولكن أجسامنا فارغة ومحتاجة للأملاح والفيتامينات (من حسن الحظ أن هناك اليوم جمعيات ومنظمات تقوم بجمع البذور الأصلية وتوزيعها وسنتعرّض لذلك في مقالات أخرى).