الأزمة الحادة التي تشهدها جمهورية فينزويلا والتي تهدّد بإدخال البلاد في حقبة من الفوضى العارمة إثر اندفاع رئيس البرلمان (أو دفعه) لإعلان نفسه رئيسا كشفت الوجه الحقيقي والمنافق لدول ومنظومات اقليمية تزعم انحيازها لقيم الديمقراطية وتحتكر الحديث وإعطاء الدروس باسمها. تأتي الولاياتالمتحدةالأمريكية في طليعة هذه الدول حيث سارعت مسارعة المريب عندما يقول خذوني إلى الاعتراف برئيس البرلمان المتمرّد على الشرعية رئيسا.. وإلى الهرولة إلى مجلس الأمن مع أن الأزمة الفينزويلية لم تكن مدرجة على جدول أعماله بهدف اقتلاع شرعية أممية لهذا التحرّك الذي طالما انتظرته وسعت إليه بالضغوطات والحصار وغيرها عساه يخلصها من خليفة الزعيم الكبير شافيز المتمسّك بثوابت الثورة البوليفارية.. بعد أمريكا يأتي موقف الاتحاد الأوروبي المهرول في اتجاه التهليل لهذا «الانقلاب الناعم» ومحاولة البناء عليه من خلال تحديد مهلة بثمانية أيام للرئيس المنتخب مادورو لتنظيم انتخابات جديدة كسبيل لحل هذه الأزمة الحادة.. مع العلم ان هذا الطرح تعجيزي أولا وأخيرا ويشكل خطوة أوروبية مخادعة لتعويم الانقلاب والبناء عليه.. ذلك أن الدول الأوروبية وهي تحدّد هذه المهلة الضيقة جدا تدرك استحالة تنفيذها وان تسلح الرئيس الشرعي «مادورو» بكل النوايا الحسنة وتحرّك بصدق في اتجاه انجاز هذه الانتخابات لحلّ الأزمة القائمة. ولا نخال الدول الأوروبية يغيب عنها ما تتطلبه الاستعدادات اللوجستية والمادية والبشرية لانجاز استحقاق بهذا الحجم وفي الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها دولة فينزويلا وحالة الاحتقان الحادة التي يعيشها الشارع الفينزويلي بما يهدّد بتحويل هذا الاستحقاق إلى شرارة فوضى عارمة. وقبل كل هذا، فإن هذه الأزمة الحادة تكشف الوجه الحقيقي والقبيح للديمقراطية الغربية. ديمقراطية المساحيق والروتوش التي تخفي وراء الوجوه الناعمة والقيم الكونية كيانات موغلة في الحقد والشراسة. كيانات لا تتردّد في الانقلاب على كل القيم والمبادئ حين يتعلق الأمر بتحقيق مصلحة استراتيجية.. وحين تقتضي المصالح إزاحة أو المساعدة على إزاحة هذا النظام ولو بأشد الأساليب قذارة ووقاحة. وقد جرّبنا عن العرب الآثار المدمرة لهذه الازدواجية التي يتعاطى بها معنا الغرب وكيف تتحول الوجوه الناعمة إلى كواسر ضارية حين يتعلق الأمر بتحقيق مصلحة أو بنهب ثروة. وأمثلة العراق والغزو الهمجي الذي دمّر دولة وأسقط نظاما وطنيا وأغرق شعبا في الفوضى والفقر.. وليبيا وما شهدته من عدوان أطلسي مدمر لإسقاط نظامها الوطني وإدخالها في فوضى عارمة بهدف وضع اليد على ثرواتها النفطية الهائلة وعلى مقدرات الشعب الليبي الشقيق.. وكذلك المثال السوري حين أشعلوا حريقا بحجم الجغرافيا السورية بهدف إضعاف الجيش العربي السوي تمهيدا لإسقاط النظام الوطني في دمشق وتهيئة مناخات تقسيم سوريا تجسيدا لنظرية التقسيم وإعادة التشكيل وحماية للكيان الصهيوني من دولة محورية في حجم سوريا ترفع راية الصمود في وجه الأطماع الصهيونية وتدعم المقاومة في لبنان وفي فلسطينالمحتلة. كل هذه وغيرها محطات كشفت زيف الادعاءات الغربية التي تصوّر لنا الغرب مثل حمائم همّها الوحيد نصرة قيم الديمقراطية وحقوق الانسان.. وهي نفس المساحيق التي أسقطتها الأزمة في فينزويلا لتنكشف الوجوه القبيحة والبطون الجشعة المتعطشة لنفط وخيرات فينزويلا مع ما يقتضيه ذلك من إقصاء لنظام مادورو الوطني وتعويضه بصنائع ودمى تقبل بالدوران في فلك أمريكا وأوروبا.