هما شريكان في الحكم حاضرا ومستقبلا حسب البعض، ومتنافسان عليه حسب البعض الآخر، ومشروعا عدوّين حسب بعض ثالث، ومحكومان بصناديق الاقتراع حسب آخرين … نقاط استفهام عديدة حول علاقة «النهضة» ب»تحيا تونس» فكيف ستكون بعد انتهاء تحالفهما الحالي؟ تونس (الشروق) لولا «النهضة» لأرغم رئيس الحكومة يوسف الشاهد على الاستقالة. هي حاليا الشريك القوي لحزبه الجديد «تحيا تونس» لكن هذا الوضوح يقابله غموض حول مستقبل العلاقة بين الطرفين لاسيما في ظل تضارب التصريحات والتخمينات. فوفق رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي فإن الإثنين يخططان من الآن لشراكة مستقبلية ذلك أن «النهضة فهمت طموح (الشاهد) وتعاملت معه بذكاء ودفعته إلى تكوين حزب جديد يشاركها الحكم بعد انتخابات 2019 وراشد الغنوشي سيدعمه في السرّ ليترشّح لرئاسة الجمهورية» حسب ما قال مؤسس النداء في حواره الذي نشرته مؤخرا صحيفة العرب الدولية. هذا الرأي يؤيده أغلب الملاحظين والمستشرفين نذكر منهم أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي الذي ذكّر بأن «حزب الحكومة الجديد يستمد وجوده في الحكم ومصدر قوته من تحالفه مع حركة النهضة ودعمها له… قبل أن يتساءل في تدوينة له نشرها على الفايس بوك هذا الأحد «ماذا لو تكرم (أنصار الشاهد) بالإعلان عن فك الارتباط بالنهضة منذ الآن؟ أم إن وجودهما في غرفة العناية المركزة بمونبليزير يمنعهما من ذلك؟!». «صناعة نهضوية» هناك من يذهب إلى أبعد من التشارك ليجعل حركة «تحيا تونس» والشاهد صناعة نهضوية. هذا ما نفهمه من قول السبسي في حواره سابق الذكر إن النهضة «فهمت طموحه (يقصد الشاهد) وتعاملت معه بذكاء ودفعته إلى تكوين حزب جديد يشاركها الحكم بعد انتخابات 2019». لكن القيادي الندائي عبد العزيز القطي أوضح في التعبير عن هذا الرأي بقوله عبر أمواج «راديو ماد» أول أمس الثلاثاء إن «حركة النهضة هي التي تقود حزب الشاهد وكانت طرفا في تأسيسه…». في مقابل هذين الرأيين المتقاربين هناك من يشبّه العلاقة بين الحركتين بالعلاقة السلمية بين عدوين ومثل ذلك رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي الذي قال لمن وصفهم ب»أصدقائه» في حركة النهضة: «ما الذي يجمعكم بمن توافقتم معهم؟ (في إشارة إلى الشاهد وأتباعه) قبل أن يضيف في كلمة ألقاها مؤخرا في مؤتمر شعبي بمدينة صفاقس «أنتم إنما تغذّون اليوم تمساحا سيأكلكم غدا في آخر لقمة». ولكن كيف ينظر أصحاب الحل والعقد إلى طبيعة علاقتهما المستقبلية؟. «منافسة الإسلاميين» لا نجد إجابة واضحة في الشق النهضوي عدا رد نائب رئيس الحركة على العريض أمس في تصريح صحفي على رئيس الجمهورية بأن حزبه «لم يحدد بعد موقفه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ولا يعرف أصلا إن كان يوسف الشاهد سيترشح أم لا». في المقابل تصب تصريحات قياديي الحزب الجديد في مصب التنافس مع الحرص على عدم الخوض في مسألة التشارك المستقبلي. فهذه القيادية زهرة إدريس تقول لوكالة رويترز على هامش اجتماع التأسيس في المنستير الأحد الماضي: «نتطلّع إلى أغلبية برلمانية مريحة لقيادة البلاد ومنافسة الإسلاميين (تقصد حركة النهضة)». وهذا المنسق العام سليم الغزابي يؤكد أن حزبه «يحمل رؤى وبرامج لا تقوم على الضدية مع أي طرف سياسي…» قبل أن يوضح في حوار بثته قناة الحوار التونسي مؤخرا أنه «لا ينبني على العداوة مع حركة النهضة بل على التنافس». التنافس أمر محتوم بين الخصوم وحتى بين الحلفاء غير المجتمعين في جبهة واحدة فكيف ستكون نتيجته وهل يمكن للحزب الجديد أن يستنسخ تجربة نداء تونس في التوافق مع النهضة؟. «هذا حكم الصندوق» لا نملك أدلة قاطعة وملموسة على صحة «انتماء» حركة «تحيا تونس» لحركة النهضة وعليه فمن البديهي أن ننظر إليهما على أنهما حزبان مستقلان تبدو فيه رغبة كل واحدة مختلفة عن الأخرى. فمنفعة النهضة في ولادة حزب قوي يحل محل حزب النداء حتى تتشارك معه في الحكم ما يعني أنها تتطلع إلى التوافق المستقبلي مع «تحيا تونس» وإن صمتت عن الخوض فيه. في المقابل هناك من الأدلة ما يجعل هدف الحزب الجديد مختلفا. هذه الأدلة التي لمح لها بعض القياديين حينا وصرح بها قياديون آخرون حينا ثانيا يلخصها الشاهد بقوله في حديث بثته قناة التاسعة يوم 21 ديسمبر الماضي: «من أراد أن يحكم من دون النهضة عليه أن يهزمها في الانتخابات». هذا يعني وجود فرضيتين فإما أن يفوز الحزب الجديد فوزا ساحقا يمكنه من الحكم بمفرده وإما أن يتقاسم الأغلبية المريحة مع النهضة فيتوافق معها كما فعل نداء تونس من قبل. «هذا حكم الصندوق» قالها الندائيون أثناء التشارك مع النهضة في حكومة الصيد والأغلب على الظن أن يعيدها أبناء الحزب الجديد في تطوير علاقتهم بحزب النداء من الانسلاخ إلى... الاستنساخ. النهضة والتمساح حذر رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي «أصدقاءه النهضويين» من مغبة التوافق مع الحزب الجديد. فقد قال في كلمة ألقاها في مؤتمر شعبي الأحد الماضي بمدينة صفاقس: «إلى أصدقائي في حركة النهضة، ما الذي يجمعكم بمن توافقتم معهم؟» (في إشارة للشاهد وأتباعه). وأضاف: «أنتم إنما تغذون اليوم تمساحا سيأكلكم غدا في آخر لقمة». وقد دعاهم بالمناسبة إلى أن يسيروا معه «لنأكل التمساح بدل أن يأكلنا» (على حد قوله). بلغة المنطق لا يمكن لأي «تمساح» أن يأكل حركة النهضة لاسيما وأنها تكتسب من القوة والخبرة والحنكة ما تحمي به نفسها ما يجعل تصريحات زعيم «الحراك» مجرد مناورة للتقرب من حليفته السابقة ذات المنجم الانتخابي الغني. «النهضة » و«تحيا تونس »ليسا على نفس الخطّ هناك فوارق عديدة بين حركتي «تحيا تونس» و»النهضة» يحرص قياديو الأولى على إبرازها: فالحزب الجديد يقوم حسب بيانه الذي أصدره مؤخرا «... يؤمن بمبادئ الجمهورية والديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية…». وهو «ذو مرجعية ديمقراطية وحداثية، تقوم على الفكر البورقيبي والفكر الإصلاحي التونسي، والتصدي لأي مشروع رجعي» على حد ما ذكره القيادي مصطفى بن أحمد الذي أوضح الأحد الماضي أن حزبه «ليس على نفس الخط والمرجعية مع النّهضة»… فما الذي يجمعه بهذه الحركة ما دام مختلفا معها؟. نجد إجابة معقولة لدى العزابي في قوله إن «الحزب الجديد لا يتفق مع النهضة إلا في موضوع مساندة الحكومة والاستقرار الحكومي». لكن هناك ما هو أهم من التوافق فالحزبان براغماتيان ولا يسجنان نفسيهما في الأيديولوجيا الجامدة بل يقدمان المصلحة المشتركة والموحدة على جميع العناصر المفرّقة. المصلحة المشتركة متوفرة اليوم وهو ما يفسر اشتراكهما في الحكومة. أما في الغد فسيكون تشاركهما من عدمه مرهونا بمدى توفر هذه المصلحة المشتركة بغض النظر عما يفرق بين الطرفين من مبادئ وأهداف ومرجعيات وأرضيات فكرية.