خلّفت إقالة والي سيدي بوزيد ومعتمد الرقاب مؤخرا على خلفية حادثة المدرسة القرآنية جملة من التساؤلات حول اسباب تراجع دور هاتين المؤسستين في الاعتناء بشؤون الجهات على مختلف الأصعدة. تونس – الشروق – ليست المرة الاولى التي تتم فيها إقالة وال أو معتمد بسبب ما تعيشه جهته من تقلبات مختلفة ذات علاقة إما بالشأن الاجتماعي او بمسألة أمنية خطيرة أو بشبهات فساد وسوء تصرف وغياب الحوكمة الرشيدة أو بمسألة اقتصادية.. فأغلب الحكومات المتعاقبة منذ 2011 إلى اليوم أقدمت على هذه الخطوة في عديد الولايات لأسباب مختلفة آخرها ما حصل مع والي سيدي بوزيد ومعتمد الرقاب. وهو ما يدفع إلى التساؤل إن كان الأمر له علاقة فعلا بتقصير من الوالي او المعتمد أم ان السبب الحقيقي يتجاوزهما احيانا بسبب وجودهما في الجهة التي يعملون بها تحت ضغوطات سياسية أو غيرها أو بسبب اضعاف سلطتهما منذ الثورة إلى اليوم؟ العمود الفقري للدولة ما يتفق عليه المراقبون في تونس هو أن سلطة الوالي والمعتمد ظلت منذ الاستقلال بمثابة العمود الفقري للدولة. فهما المجسمان للدولة في الجهة (الوالي يأتي في مرتبة رابعة بعد رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزير) ويجب ان يكون كل منهما في مثل قوتها وهيبتها وكفاءتها وقدرتها على ادارة الشأن العام بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والامنية. وبالتالي فهما «المحرار» الذي تقاس به الحالة الصحية للدولة وقدرتها على المسك بزمام السلطة، فان كان الوالي والمعتمد قويين في الجهة ظهرت الدولة من ورائهما قوية ومتماسكة وان كان العكس بدت الدولة ضعيفة وغير مهابة. كفاءة ارتبطت خطة الوالي والمعتمد منذ الاستقلال باشخاص تتوفر فيهم مقاييس مجتمعة مثل الكفاءة والعمق السياسي والمستوى التعليمي والخبرة في العمل الاداري والقدرة على التسيير وعلى ادارة الشان العام. وهو ما جعل العمل في منصب وال أو معتمد حلقة تكوينية هامة لاطارات الدولة لانها تؤهل عادة الى التعيين في خطة وزير او كاتب دولة والامثلة في هذا المجال عديدة في الحكومات السابقة منذ الاستقلال. محاصصة وتهميش بعد 2011 وقع تهميش اسم الوالي والمعتمد مع مختلف الحكومات المتعاقبة. تهميش سببه حسب المتابعين سوء بعض الخيارات جراء المحاصصات السياسية والحزبية ما تسبب في تراجع المكانة الاعتبارية للوالي والمعتمد وهيبته بالتوازي مع تراجع شامل لهيبة الدولة. فأكثر من وال أو معتمد وجد نفسه خلال السنوات الماضية في وضعية صعبة في ظل اتهامات عديدة له بالتقصير وبعدم الكفاءة وبعدم القدرة على حل الملفات الشائكة في جهته. هذه الاتهامات والانتقادات كانت في بعض الاحيان في محلها، إلا أنه في احيان اخرى كان الوالي و المعتمد في بعض الجهات ضحيتي ضغوطات مختلفة تدفعهما نحو التقصير والخطأ. من ذلك مثلا التجاذبات والصراعات السياسية والعراقيل المجانية وأحيانا الضغوطات التي تُمارس عليه من اطراف سياسية او من أطراف نافذة في الجهة على غرار بارونات الفساد.. وهو ما ادخل على عديد الولاة والمعتمدين الارتباك وأضعف سلطتهم وافقدهم هيبتهم وكانت النتيجة الطبيعية الارتجال في العمل وعدم القدرة على القيام بالدور المنوط بعهدتهما وعلى الانتباه لمختلف المخاطر والتقلبات التي قد تعيشها الجهة على غرار ما حصل مؤخرا بجهة الرقاب، لتكون الجهة برمتها اكبر متضرر من ذلك على مختلف الاصعدة ( امنيا واقتصاديا واجتماعيا وتنمويا..). وهو ما يضع رئاسة الحكومة امام مسؤولية ضرورة رد الاعتبار لخطتي الوالي والمعتمد. مقاييس يطالب المختصون بان تعتمد الحكومة في تعيين الولاة والمعتمدين على مقاييس علمية وواقعية تأخذ بالاعتبار ضرورة الدقة في الاختيارات وابعادهم اقصى ما يمكن عن منطق الحسابات السياسية والحزبية وعن حرب الاسماء بين الاحزاب. كما يقترح آخرون مزيد تطوير الإطار القانوني لعمل الوالي او المعتمد وحمايتهما من مختلف الضغوطات وتوضيح دورهما خاصة في ظل المنظومة الجديدة للحكم المحلي. ويطالب البعض بضرورة ايلاء اهمية لعنصر الكفاءة والخبرة الادارية والقدرة على ادارة الشان العام والعمل الميداني والحياد السياسي والمتابعة الميدانية اليومية لشواغل المواطنين في الجهات ومتابعة مختلف المخاطر المحيطة بالجهة امنيا واجتماعيا واقتصاديا وتنمويا خاصة في الجهات ذات الاولويات او التي توصف بالساخنة حتى لا تحصل هفوات وأخطاء من شأنها أن تؤدي إلى مخاطر تمس أحيانا بالامن القومي للبلاد .. مهام الوالي حسب القانون (قانون عدد 52 مؤرخ في 13 جوان 1975 ) الفصل 8: الوالي هو المؤتمن على سلطة الدولة وممثل الحكومة بدائرة ولايته وهو إداريا تحت سلطة وزير الداخلية. الفصل 9: الوالي مسؤول عن تنفيذ السياسة القومية للتنمية على الصعيد الجهوي، وبهذه الصفة يدرس ويقترح على الحكومة الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الاقتصادية الاجتماعية لدائرة ولايته. الفصل 10: الوالي بوصفه ممثل الحكومة له سلطة على موظفي وأعوان المصالح الدولية المباشرين بدائرة ولايته. إقالات شهدت السنوات الاخيرة عديد الإقالات لولاة ومعتمدين لأسباب مختلفة أبرزها: 2012 : اقالة والي سليانة أحمد الزين المحجوب بعد موجة احتجاجات عنيفة انتهت بمواجهات ما يعرف ب»أحداث الرش» سبتمبر 2015 : اعفاء والي باجة بعد أسبوعين من تعيينه جانفي 2016: إقالة والي المهدية بسبب احتجاجات بالجهة فيفري 2016 : إقالة والي قفصة بسبب تعدد تحركات العاطلين عن العمل سبتمبر 2016 : اعفاء والي جندوبة ومعتمد وكاتب عام فرنانة من مهامهم اثر احتجاجات وحالة احتقان، بعد وفاة أحد شبان المدينة متأثرا بحروق بليغة. افريل 2017 : إقالة والي تطاوين بسبب ما عاشته المنطقة من احتجاجات ماي 2017: إقالة والي القيروان أكتوبر 2017 : إقالة والي تونس عمر منصور. فيفري 2019: إقالة والي سيدي بوزيد ومعتمد الرقاب اثر حادثة «المدرسة القرآنية».