رغم أنّ وضع البلاد لا تحمد عليه ثورة و لا يبعث على الثقة في الغد فإنّي ألوم نفسي أحيانا عمّا تجشّمته من الأحزان كأنّها وحدها المسؤولة عن هموم العباد . وأدعوها الى استراحة المسافر بالصبر والنسيان وخوالد الحكم وروائع الألحان . وأحمد الله على إلهامي بعض النظام في أيّامي . و لا أخفي على أحد سرّا و لا أبخل عليه بنصح إذا عرضت برنامجي العادي الذي أجد فيه متعة الإنجاز وسعادة الإتمام بدرجة مرضيّة ومشجّعة في غمرة البساطة وراحة الضمير ، ومن دون الحاجة إلى مال وفير لا أقدر عليه و لا إلى رفاه ثمين أعجز عنه ، وأنا المتقاعد الذي يسأل الله السلامة في العشر الأواخر من كلّ شهر. ويشكره تعالى على العافية من كلّ داء عدا ما خفّت نزلته ولطف سعاله إذا ما تقلّبت الأنواء وفسدت الأنباء . وأنا سعيد بعض الشيء ببرنامجي ولو للحظة منه أشعر فيها بخفّة لا توصف تغمرني دون دقّ الأجراس. فكأنّي سابح في الأجواء لا يهمّني شأن من الدنيا و لاشيء من الأشياء . لحظة عابرة لا أعرف أسبابها و لا أستطيع توفيرها لها ، لا بطعام و شراب و لا بمكان وزمان ، لكأنّها هبة الرحمان . وأحسبني جديرا برحمته تعالى لإيماني به وثقتي في ثوابه . كيف لا وأنا مهتد به قولا وفعلا ومطبوع على حبّ الخير للغير و الحرص على أخفّ الأضرار متشبّعا بثقافة الاعتذار . و لا أتبجّح بالنجاح كما لا أتبرّأ من الخطإ إذا عرضت عليك ، أخي القارئ ، برنامجي ما دمت ، أنت ، مستطلعا محسن الظنّ ، فأقول : أختم يومي بالشهادتين وبسورتي الفاتحة والإخلاص و المعوّذتين بعد الإنصات لإذاعة القرآن الكريم نصف ساعة قبيل النوم. وقبل ذلك أتابع عبر الأنترنات إحدى حكايات العروي أو أشرطة وثائقيّة عن الفراعنة مندسّا في دفء الفراش . وقبل ذلك الترويح عن النفس أكون قد جلست ساعة أو ساعتين لكتابة مقالة كهذه الإشراقة أو قصّة بأسلوب « ربيع الهلوسة « أو بحث لمحاضرة أو نقد لكتاب. وقبل ذلك الإنتاج أكون قد استمعت الى إحدى أغاني أمّ كلثوم مستمتعا بألحان رياض السنباطي . فهي ملهمتي في تأمّلاتي والسائحة بروحي مع خيال أحمد رامي. وقبل تلك المتعة أكون قد تابعت الأخبار مستلقيا أمام التلفاز ، متوقّفا بين النشرة و الأخرى عند حوارات الشأن الوطني أو متابعا ، بينهما ، المفيد من أيّ تحقيق أو شريط وثائقي ، وإلاّ فملاذي الكتاب إذا حان وقت امرأتي لمسلسلاتها التي لا تنتهي . وقبل كلّ ذلك أكون قد استرخيت لسنة من النعاس إكمالا لنوم الليل الذي قطعه أذان الصبح. فأوجب النهوض لإقامة الصلاة . هذا ما لم تفرض عليّ بعض شؤون العائلة أو بعض مشاغلي الخروج لقضائها في المحيط السكني أو وسط العاصمة مع الاستفادة من المشي الصحّي و الاستمتاع بعطر الأسواق وأناقة المعالم. فإن أعجبك، أخي القارئ ، كلامي وأردت أن تسمع أكثر فإنّي أضيف إليك بمنتهى الصدق و الصراحة ومن دون حرج أو مؤاربة أنّي عادة أكتب في المطبخ الفسيح المشرف على الدنيا ، من الحديقة إلى الأفق ، مستأنسا بغلال الفصل وكأس ترنجيّة ، و أحيانا أكتب في نفس الركن من المقهى القريب مترشّفا حليبا "مشكلطا" عسى أن تبلغك النكهة المنشّطة . أفبعد هذا، يا صديقي، تطلب أكثر ؟ لا شيء عندي لأنسيك به أوجاعنا بالارتجال و الارتباك في انتقالنا الديمقراطي المرير . فلا تحزن، إنّ الله مع الصابرين .