في مثل هذا اليوم من سنة 1991، أفاقت الإنسانية على جريمة حرب موصوفة أتتها القوات العسكرية الأمريكية في حق ملجإ في قلب بغداد. ملجأ العامرية الذي كان يؤمّ نساء وشيوخا وأطفالا فقط، تحوّلوا وهم بالمئات في لحظة جنونية لمجرمي الحرب الجديد، تحوّلوا إلى شهداء... حرقا بأسلحة أمريكية وبإجازة (للحرب) من الأممالمتحدة وبصمت دولي وعربي مريب... هل بقيت بعد ثمان وعشرين سنة، عامرية العراقوبغداد وحيدة من بين المدن العربية الكثيرة، في تعرضها لذاك المصير الوحشي؟ أبدا. لقد تحوّلت كل الأراضي العربية، إلى أرض محروقة، وتحوّلت مدننا وقرانا العربية إلى محرقة، تختلف أسباب إشعالها، وأسماء مقترفيها، لكنّ الهدف واحد، تحويل الوطن العربي، بطريقة أو بأخرى، إلى أرض نزاع.. وإلى ساحة حرب... ليس بالضرورة أن تكون هذه المدينة العربية أو تلك، ذات علاقة بما يحدث... كل البلاد العربية اليوم، وبعد ثلاث عشريات من نظام دولي جديد أشد غطرسة وممارسة للعنف وأشدّ عطشا للحروب ضد الإنسانية، تحوّلت الرقعة الجغرافية التي تجالس على نهبها منذ قرن من الزمن، زعماء الاستعمار الغربي، تحوّلت إلى بؤر توتّر بعناوين مختلفة... فمن المغرب إلى المشرق العربيين، ما فتئت الجغرافيا العربية تمثّل أرضا للصراع على المصالح والنفوذ.. دون أن يتقابل بعض الخصوم على أراضيهم.. فهذه تركيا وأمريكا تضربان عمق سوريا من أجل ملاحقة أكراد تركيا وقوات إيرانية، وهذه حرب أخرى بالوكالة تؤدّيها أطراف عربية هنا وهناك... أما فلسطين فحدّث ولا حرج... إنّها الحرب الكبرى على الإنسان العربي، إما بأيدي حكامه أو عبر مكلّفين بإثارة الحروب الداخلية والفتن.. والعنوان هو نفسه: ديمقراطية ترعى مصالح القوى الامبريالية ومصالح الرأسمالية التي يبدو أنّها فقدت البوصلة... أيّ ضوء في آخر هذا النفق الذي تمر به الأمة العربية؟ فإذا لم يكن مصير مدن هذه الدولة العربية كما مصير فلسطينوبغداد، والعامرية ودير ياسين... فإنّ وضعها يكون كما بلد تبادل شعبه الأفراح والآمال بوضعية ديمقراطية هي الأولى من نوعها، يعبّر فيها المواطن الناخب عن رأيه... وموقفه بكل حرية... لكن تجري رياح الامبريالية والصهيونية والاستعمار بما لا تتمنى الشعوب والبلدان التوّاقة إلى حرية المصير... بعد 28 سنة، ها هي «العامرية» تتنقل مأساة ومحرقة وحربا جريمة، من منطقة عربية إلى أخرى... لا وعي من مسؤولي هذه الأمة الذين يستعدون مسؤولين وحكّاما، إلى أشغال القمّة العربية، يحضرونها وهم مُكتفين بكمّ من الاختلاف والحقد البيني أحيانا، قوام تشنّجهم أمران: الأول يرتكز على الأخبار المزيّفة والمغلوطة Fake News يلوكونها كما العلكة دون فهمها أو التقصّي حولها. والثاني يرتكز على حجم التعليمات الأمريكية التي أضحت الآن، تصل القمم العربية عبر وكلاء وليس عبر رسائل مادية مؤلّفة من بنود، تصل من الخارجية الأمريكية إلى أشغال القمّة العربية... كما سبق وتعوّدنا.. على الأمر... كلّ هذا لأن الإرادة العربية الرسمية مفقودة، وهي تخيّر تصديق الأنباء المزوّرة حتى يقوى سيف ذوي القربى على السيوف مجمّعة..