بقلم: فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي الفرنسيون وبعد ستين عاما وأكثر، ما يزالون يحيون ذكرى القصف النازي على باريس،، قصف أودى بحياة مدنيين أبرياء.. واليابانيون، لا يفوّتون أي ذكرى لقصف «هيروشيما» و«ناغا زاكي» من كل سنة، إلاّ وأحيوها في خشوع وحزن، إضافة إلى الترويج الإعلامي لهكذا جرائم.. حتى يحسّسوا الرأي العام العالمي بضرورة القصاص في جريمة ارتكبها المحتلون.. أما نحن العرب، فإن مجازرنا وأسرانا وشهداءنا، الذين سقطوا ولا يزالون على أيدي الاحتلال والاستعمار، ينسون بسرعة.. وكأن أمرا من الجريمة لم يقع.. في مثل هذا اليوم، من سنة 1991، أفاق العالم، وأفقنا على جريمة من أبشع الجرائم ضد الانسانية.. كانت محرقة، تلك التي حدثت في ملجإ العامرية بالعراق، في احدى ضواحي بغداد.. عشرات النساء والأطفال والشيوخ ممّن لاذوا إلى الملجإ المحصّن تحصينا شديدا، ومشيد على أساس أنه يستحيل أن تخترقه القنابل ولا الصواريخ.. لكن آلة الجريمة الأمريكية، استعملت أكذوبة لا يمكن أن تنطلي على أحد، وقصفت الملجأ بطريقة شيطانية، فكان أن أفقنا في مثل هذا اليوم، صباحا، على صور بشعة، التصق فيها اللحم البشري وشعر الأطفال والنساء، بجدران الملجإ الذي احترق بمن فيه.. ملجأ العامرية، هو كما كلّ الملاجئ، شُيّد لكي يحمي المدنيين من الغارات العسكرية، زمن الحروب والهجومات على البلدان، من الخارج، كما شأن العراق سنة 1991، ولم تشيّد لكي تضرب أو تستهدف.. فللحرب نواميس وأعراف، لكن الآلة الاستعمارية لا تعترف بها. جريمة تلد أخرى.. ها أن العراق وبعد تسعة عشر (19) عاما، يعجّ بالعامريات، وملاجئ ومراقد وساحات عامة.. إضافة إلى جرائم الاحتلال داخل السجون (الصغيرة) والسجن الكبير، وأقصد كامل العراق الذي يقبع تحت الاحتلال.. رائحة الموت في كلّ مكان، والجريمة الاستعمارية تحاصر شعب العراق من كل مكان.. اليوم تمرّ ذكرى «العامرية» والعرب مشغولون بفحوى أجندة وضعها لهم، المحتل (إسم فاعل)، وتناسوا «العامرية» التي من المفترض أنها موثقة كجريمة حرب، لا تسقط تهمتها عن مقترفيها، أبد الدهر.. فقد تعلّمنا وحفظنا أن الجريمة الاستعمارية، والجرائم ضدّ الانسانية لا تسقط بالتقادم.. في «الفلوجة» جريمة.. وفي البصرة جرائم.. وفي «جنين» بفلسطين نرصد أصل الجريمة الصهيونية البشعة، ولا تأريخ، ولا احياء لأية ذكرى.. لقد أفلت الرموز والرمزية، في هذه الأمة.. وتحوّل تاريخها إلى محطات رحيمة بالمستعمر وقاسية في حق الشهداء.. شهداؤنا فقط، موثقون فيتحولون إلى أرقام.. أما في ما تبقى من العالم، فهم بالأسماء.. في مثل هذا اليوم، أسقطت الآلة العسكرية الأمريكية، ما بأيدي المساندين لشعارها الكاذب والمردّدين له من أن في الأمر تحريرا للكويت، وأن واشنطن وهي تحطّ في الخليج، ب450 ألف جندي، مدجّجين بأعتى أنواع الأسلحة وأشدها فتكا بالبشر والزرع والضّرع، لم تكن في نيتها احتلال آبار النفط وحماية رأس حربة الامبريالية اسرائيل.. كان هذا الخطاب سنة 1991 لكن الأمريكان وكما عهدناهم، لا يتوانون في التنكّر لأي شعار من شعارات الحرية، فتراهم يتجهون قدما نحو الجريمة الاستعمارية، يمارسونها، حتى وإن كلفهم الأمر.. ترك «ببغاواتهم» في التسلّل.. والنتيجة أن العراق محتل من الأمريكيين، منذ 2003، وهم (الأمريكان) لا يتوانون في اقتراف الجريمة تلو الأخرى.. ما دامت مصالحهم تقتضي ذلك.. لكن صور الأطفال المتفحّمة أجسامهم الصغيرة مازالت تثير فينا الاصرار على محاسبة الجريمة الاستعمارية.. فهل يغضب العرب..؟