تلميح رئيس الحكومة في كلمته الأخيرة حول انطلاق «مرحلة جديدة» في البلاد بعد انتهاء أزمة أجور الوظيفة العمومية وأزمة التعليم الثانوي يدفع إلى التساؤل عن الشروط الضرورية لإنجاح هذه المرحلة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. تونس الشروق: بعد الوصول إلى توافق بين الحكومة واتحاد الشغل انتهت بمقتضاه أزمة أجور الوظيفة العمومية وأزمة التعليم الثانوي، تحدث المتابعون عن بداية مرحلة جديدة في البلاد تقوم على فرضية حصول الهدوء الاجتماعي وعلى إمكانية تحسين الوضع الاقتصادي وكذلك على إتمام النجاح السياسي عبر تنظيم الانتخابات القادمة في موعدها. هذه الفرضيات لمّح إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في كلمته الأخيرة وحاول بعث رسائل طمأنة الى التونسيين حول المرحلة القادمة. لكن في المقابل، وفي ظل تواصل حالة المخاوف والشكوك والصعوبات المعيشية لدى التونسيين، يعتبر المختصون أنه لا مجال لتحقيق فرضية « مرحلة جديدة أفضل» إلا بتوفر شروط اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.. 10 خطوات «اقتصادية» اقتصاديا، يرى المحلل الاقتصادي محمد صالح الجنادي أن «الكرة» بين يدي الحكومة من أجل ضمان أقصى ما يمكن من أسباب الانتعاشة الاقتصادية، متحدثا عن 10 خطوات على الأقل، يجب أن تخطوها الحكومة في هذا المجال. وتتمثل هذه الخطوات في: 1- التخلص من العجز الطاقي الذي يمثل 65 من عجز الميزان التجاري. وسببه أساسا ارتفاع تكاليف واردات الطاقة وذلك عبر التعويل على الطاقات البديلة بشكل فعلي وحقيقي بالنظر الى الإمكانيات الهامة التي تتمتع بها البلاد( طاقة شمسية – طاقة رياح..). 2- تحسين سعر صرف الدينار وذلك من خلال تطوير وتنويع الصادرات والضغط على المديونية والعمل على تطوير عائدات التونسيين بالخارج من خلال توفير تشجيعات وامتيازات لهم لاستثمار أموالهم في تونس. 3- استقطاب الاقتصاد الموازي نحو الاقتصاد المنظم والتشجيع على الانتصاب بطرق قانونية ومنظمة في الجهات ذات الأولوية وهو ما يشجع على مزيد الاستثمار وعلى امتصاص البطالة وعلى الرفع في العائدات الجبائية وعلى حماية المنتوج المحلي. 4- الإسراع برقمنة الإدارة من أجل تسهيل المعاملات الاقتصادية والتجارية والتصديرية والتخلي خاصة عن البيروقراطية المعطلة للاستثمار ولإحكام التصدي للفساد مع ضرورة أن يكون ذلك مرفوقا بإصلاح ديواني حقيقي. 5 - ضرورة إرساء تنمية حقيقية للقطاع الفلاحي حتى يتكثف المنتوج خاصة من الحبوب والأعلاف التي تستنزف نفقات كبرى لتوريدها بالعملة الصعبة ومن بقية المنتوجات ويقع بذلك الضغط على الأسعار وتتحسن المقدرة الشرائية للمواطن. ويتطلب ذلك منح امتيازات وتشجيعات ودعما حقيقيا للفلاح وللباعثين الشبان في القطاع. 6- تطوير الخدمات العمومية الموجهة الى المواطن في النقل والصحة والتعليم للحد من الاحتقان الاجتماعي وللتشجيع على تطوير المردودية في العمل والإنتاجية وعلى الاستثمار في الجهات. 7- تطوير السياحة بخلق أنماط سياحية جديدة تقطع مع النمط التقليدي بالنظر الى ما لنا من إمكانيات في هذا المجال وذلك للرفع من عائدات العملة الصعبة. 8- إحكام استغلال الثروات الطبيعية في مجال المناجم المختلفة والبترول 9- مكافحة حقيقية للتهرب الضريبي لكن ليس عبر استهداف المؤسسات والأشخاص بغاية الانتقام والتشفي بل لحثهم على دفع الضريبة. 10 – الإسراع بإصلاح منظومة السوق وذلك عبر القضاء على مظاهر السمسرة والاحتكار والغش من أجل الحد من التلاعب بالأسعار وتحسين المقدرة الشرائية. وهو ما يساهم في تحقيق الهدوء الاجتماعي. إنتاجية ومردودية هذه الخطوات الهادفة الى تحسين الأداء الاقتصادي يجب أن تكون مُرفقة حسب المتحدث المذكور بخطوات أخرى يتحمل مسؤوليتها الطرف الاجتماعي والمواطن نفسه. وتتعلق أساسا بضرورة سعي الطرف الاجتماعي الممثل للطبقة الشغيلة (اتحاد الشغل) إلى حثها على تحسين مردوديتها في العمل وسعي الطرف الممثل للمؤسسات (منظمة الاعراف) إلى حثها على تطوير قدراتها الانتاجية والتنافسية وكل ذلك من أجل تنشيط حقيقي للدورة الاقتصادية داخليا وخارجيا. كما أن المواطن بات بدوره مطالبا بمزيد تطوير ثقافة العمل لديه سواء كان يشتغل في القطاع العام أو في القطاع الخاص أو كان صاحب مبادرة خاصة. هدوء سياسي في كل دول العالم، لا يمكن أن يتحقق النمو الاقتصادي دون استقرار سياسي. وهي النظرية التي تنطبق اليوم بامتياز على تونس. فمنذ 2011 والبلاد تتخبط في أزمات سياسية نتيجة الصراعات من أجل السلطة وانشغال السياسيين بكل ما هو سياسي على حساب الشأنين الاقتصادي والاجتماعي ونتيجة التغيير المتواصل للحكومات. وهو ما أدى إلى تراجع أخلاقيات العمل السياسي وإلى عدم إيفاء السياسيين بوعودهم. فتسبب ذلك في حالة احتقان لدى المواطن ولدى الفاعل الاقتصادي. وتأثرت المنظومة الاقتصادية برمتها. واليوم لم يعد من خيار أمام الطبقة السياسية – بما في ذلك السلطة الحاكمة - غير تحقيق الهدوء السياسي حتى يحصل التطوير الاقتصادي ويتحقق الهدوء الاجتماعي في انتظار الانتخابات القادمة. قانون وأمن ينادي كثيرون بضرورة تخلص الحكومة من الضعف والارتباك والتحلي بالجرأة والشجاعة لتطبيق القانون بصرامة على كل المخالفين ودون انتقائية، خاصة في ما يتعلق بالفساد وبالإخلال بمنظومة السوق وبالجريمة وبتعطيل الإنتاج وعموما بكل مظاهر الفوضى ومخالفة القانون. فذلك من شأنه أن يشجع على تطوير ثقافة العمل بما يساعد على تحقيق الانتعاشة الاقتصادية وعلى فرض الهدوء الاجتماعي. كما يدعو آخرون إلى ضرورة العناية بملف الجريمة التي ارتفعت وتيرتها وتكاد تتحول على عائق أمام الحركية الاقتصادية في البلاد. أهم شروط إنجاح المرحلة «الجديدة» إصلاحات اقتصادية مختلفة على المدى القصير والمتوسط (مسؤولية الحكومة والسلطة ) وعدم تعطيل سن النصوص القانونية المساعدة على ذلك (مسؤولية البرلمان) تطوير المردودية في العمل والانتاجية لدى المؤسسات والعمل على إرساء الهدوء الاجتماعي (مسؤولية الأطراف الاجتماعية والمواطن) تخلي الطبقة السياسية عن الصراعات والخلافات إلى حين موعد الانتخابات والمساعدة على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية ( مسؤولية السياسيين) الشجاعة والجرأة في تطبيق القانون بصرامة على المتسببين في خرق القوانين وفي تعطيل الإنتاج وفي نشر مختلف مظاهر الفوضى والفساد وفي انتشار الجريمة ( مسؤولية الحكومة).