إنّ من المسائل المستحدثة فقهيا، وأثارت جدلا بين الفقهاء وعلماء الدين وأحدثت ضجة في أواسط المجتمعات الإسلامية خاصة مسألة التبرع بالأعضاء. ولقد اختلف العلماء فيما بينهم في هذا الموضوع، فمنهم من أجاز هذا العمل وأعتبره من الأعمال الصالحات كالصدقة ويثاب فاعلها عليها شرط أن لا يكون التبرع سببا في هلاك المتبرع كالذي يتبرع بالقلب أو الرأس ونحوهما فهذا لا يجوز شرعا لأنّ العضو الذي تبرع به تتوقف عليه حياة المتبرع ويعتبر فاعله منتحرا، قال تعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} (النساء 29) أو يكون التبرع سببا في فقدان وظيفة جسمية، كالذي يتبرع باليدين أو الرجلين من حي سليم لآخر يفقدها مما يسبب للمتبرع العجز عن كسب عيشه، والقيام بواجبه، فهذا العمل محرما شرعا لقول الله تعالى {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة 195). واحتج العلماء الذين يجيزون نقل الأعضاء من جسم إنسان حي إلى آخر حي وبعد أخذ أراء الأطباء قائلين: ما لم يكن في نقله ضرر على صاحبه المنقول منه، وتحققت المصلحة والنفع فيه للمنقول إليه، واضطراره له، فلا حرج في التبرع به في هذه الحالة. وبالنسبة لنقل عضو من أعضاء إنسان قد مات إلى آخر حيّ قالوا: لا بأس في ذلك وأجازوه لما فيه من المصالح الكثيرة التي راعتها الشريعة الإسلامية، وقد ثبت أن مصالح الأحياء مقدمة على مصلحة المحافظة على حرمة الأموات. وهنا تمثلت مصالح الأحياء في نقل الأعضاء من الأموات إلى المرضى المحتاجين الذين تتوقف عليها حياتهم كالكبد مثلا، أو شفاؤهم من الأمراض المستعصية كالتصفية الدم لتعطل الكليتين أو ما شابه ذلك. أما فيما يخص الشق الآخر من الفقهاء وعلماء الدين قد حسموا في هذه المسألة بقولهم أن التبرع بالأعضاء حرام سواء كان ذلك في حياة المتبرع أو بعد مماته، أوصى بذلك أو لم يوص، وذلك لما فيه من ضرر على المتبرع في حياته . إنّ جسم الإنسان هو من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واستأمن الإنسان عليه فلا يحق لأحد أن يبدل أو يغيّر فيما أتمن فيه، فالذي ينقص من جسمه عضو ويعطيه لآخر قد خان الأمانة، فالجسم وما يحتويه والروح التي أودعها الله فيه كلها ملك لله ولا أحد من عباده يمكن له أن يتصرف في ما لا يملك. واعتبر فريق من العلماء أنّه من يتبرع بعضو من أعضائه وهو حيّ قد مثل بجسمه وهذا الصنيع حرام لما رواه الإمام أحمد عن على بن مرة أنه كان عند زياد، فأتى رجل فشهد فغير شهادته، فقال: لأقطعن لسانك، فقال له يعلى: ألا أحدثك حديثا سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: لا تمثلوا بعبادي. قال: فتركه. وكذلك لأنّ الله قد كرمنا وخلقنا في أحسن تقويم، قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء 70).