أراد أن يقيم عالماً جديداً، أساسه العدالة والحرية والنظام والوحدة والتطهر والصفاء والحب والأمل … تلك كانت إرادة دانتي الشاعر الإيطالي الشهير صاحب المؤلف العظيم « الكوميديا الالهية « . ولد دانتي أليغييري في فلورنسا عام 1265.وقد شارك بحماس في الصراع السياسي الذي كان يوجد في وقته، وتم نفيه من مسقط رأسه, فكان مؤيدًا نشطاً للوحدة الإيطالية. انصرف دانتي إلى الدراسة في فلورنسا، وعكف على دراسة القانون والطب والموسيقى والتصوير والنحت والفلسفة والطبيعة والكيمياء والفلك والتاريخ واللاهوت، كما درس التراث اللاتيني واليونان والشرق، وعرف ثقافة العصور الوسطى، ونشأت بينه وبين البارزين في فلورنسا علاقة صداقة وود، ومنهم «برونيتو لاتيني»، الذي كتب قصيدة بعنوان «الكنز الصغير» تعد دائرة معارف صغيرة، وتحوي فكرة «الكوميديا»، ولم يقتصر دانتي على حياة الدرس والشعر، بل كان فارساً مقاتلاً شجاعاً، ومارس العمل السياسي . مضى دانتي في حياة التشرد والنفي، إلى أن وصل إلى شمال إيطاليا، ولقي أحياناً الترحاب عند الأمراء، وعمل بعض الوقت سكرتيراً ومعلماً ليكسب قوته، وعاش أحياناً فقيراً جائعاً، حتى أصيب بالملاريا، ولم يحتمل جسده وطأة الحمى فتوفي في 1321 . أدركت فلورنسا بعد أكثر من نصف قرن من وفاة دانتي ما ارتكبته في حق ابنها العبقري من الظلم والجحود، وأرادت أن تكفر عن خطئها، فعهدت إلى بوكاتشو وبيترو ابن دانتي، بتدريس «الكوميديا» للجمهور، وذاعت بالتدريج بين الناس وانتشر صيتها في أنحاء إيطاليا، وشيدت له فلورنسا قبراً رمزياً يتكون من تابوت فارغ، يعلوه تمثال جالس للشاعر، وقد توج بإكليل الغار، وإلى يمين التابوت سيدة واقفة، ترمز لإيطاليا، وتشير بيدها إلى الكلمات المحفورة أسفل التمثال، والتي تقول: «مجدوا هذا الشاعر»، وإلى يسار التابوت تمثال سيدة أخرى ترمز إلى فلورنسا، وهي منحنية وبيدها إكليل الغار، الذي كانت تود أن تضعه على رأسه حياً، وهي تبكي، وستظل دائماً تبكي جراء ما ارتكبت في حق ابنها العبقري. بدأ زانتي بكتابة بعض أناشيد الجحيم «في فلورنسا» باللغة اللاتينية، ثم أعاد كتابتها بلهجة فلورنسا، وهو في المنفى، ويقال إنه انتهى من كتابة «الجحيم» سنة 1314 ويظهر أنه أنهى «المطهر» في حدود سنة 1316 وكتب «الفردوس» في رافنا، وأطلق لفظ «الكوميديا» على قصيدته الخالدة، وهو لفظ مأخوذ عن اليونانية القديمة، بمعنى أغنية تغنى بلغة العامة، وتجري على اللسان من دون تكلف، وتصنع.