ما يجري هذه الأيّام من مبادرات للتجميع وتشكيل التحالفات والائتلافات مهمّ جدا. ذلك أنّه لا سبيل الى تحقيق التوازنات السياسية المطلوبة ومكافحة التشتّت الحزبي دون النجاح في توحيد القوى المتشابهة أو التي لها رؤى متقاربة في هيكل منسجم قوي يكون قادرًا على تحقيق الإضافة في المشهد السياسي ويدخل السباق الانتخابي بحظوظ وافرة. تحتاجُ الحياة الوطنيّة الى إعادة هيكلة. وهذا مطلب يتأكّد يوما بعد آخر. فقد أثبتت تجربة السنوات الماضية استمراريّة معركة البحث عن التوازن السياسي مع حركة النهضة، التي حافظت على وحدتها وقوّتها دون أن يظهر على السطح الى حدّ الآن منافس له قدرة على الديمومة والمراهنة السياسيّة والانتخابيّة. شكّلت دونما شكّ تجربة حزب نداء تونس الاستثناء. ولكنّها كانت تجربة ظرفيّة ضمنت مكاسب حينيّة بدأت تتلاشى مباشرة إثر الإعلان عن نتائج انتخابات سنة 2014. ورغم كلّ المساعي والجهود فقد آلت جميع مبادرات إحياء النداء التاريخي الى الفشل. وهو ما عمّق ضبابيّة الأفق السياسي في البلاد مع بقاء حزب النهضة وحيدا في الصدارة. وهو أمر تعكسه استطلاعات الرأي وأيضا الحالة التي عليها منافسوها من حيث التشتّت وعدم الجديّة في بناء البديل عن «تجربة سي الباجي». الآن، هناك حراك سياسي لافت للنظر من أكثر من جهة وعلى أكثر من صعيد. والخيط الناظم بينها جميعا هو «فلسفة التجميع». إذ باتت القناعة راسخة براهنيّة ذلك التوجُّه استعدادا للانتخابات العامة المقرّرة نهاية هذا العام، بخلاف البحث عن الفوز الإنتخابي. وهو مشروع. فإنّ الميزة الأساسيّة الأبرز للتحالفات والائتلافات، هي أنّها تُسهم في توضيح المشهد السياسي وتعزيز فرص قراءته بشكل جيّد بعيدا عن الخلط ومظاهر الفوضى المتعدَدة. كما أنّها دعامة للتجربة الديمقراطية ولمسار التداول السلمي على السلطة بإفراز كيانات قويّة قادرة على الحكم الجيّد والمعارضة البنّاءة في آن واحد. مشاريع التجميع المطروحة حاليا تقودها شخصيات وازنة على غرار يوسف الشاهد وأحمد نجيب الشابي وأحمد فريعة وعبيد البريكي. وآخرها ما أعلنه أمس الطيب البكوش. والمهم في كلّ ذلك أن لا تكون هذه المشاريع مرتبطة فقط بغاية انتخابيّة ظرفيّة عابرة أو أيضا مدخلا الى تشتّت من نوع جديد يُفقد المبادرات الجادّة منها قدرا من الجاذبيّة والنجاعة في تحقيق هدف هيكلة المشهد الحزبي وبلوغ التوازن السياسي المنشود.