عندما يخرج جزائريون وعلى أكتافهم أو بأيديهم أبناؤهم الأطفال، في مسيرات "سياسية" حاشدة، فهذا يعني فيما يعنيه، أن هؤلاء كسروا "عقدة الخوف"، ولم يعودوا "يخشون" احتمالات أو سيناريوهات "الترهيب والترويع"، التي جاءت على ألسنة بعض المسؤولين، الذين لا يعرفون من أين تُؤكل كتف الشعب، وكيف يربحون له "الملاحة" بالتي هي أحسن! ومع ذلك، فإن صوت العقل والحكمة والتبصّر، يقول بأن الخائف على وطنه ليس جبانا.. الخائف على أبنائه ليس جبانا.. الخائف على أسرته ليس جبانا.. الخائف على رزقه ليس جبانا.. الخائف على حياته ليس جبانا.. الخائف على أمنه واستقراره وسكينته وطمأنينته ليس جبانا… هذا الخوف، هو حبّ للوطن وللسلم وتمسّك أبدي بلغة الحوار والوئام والمصالحة. ..ولذلك وغيره، أبهر الجزائريون الذين خرجوا للشارع في جمعتين تاريخيتين، كلّ العالم، وأخرسوا المتربّصين بهم سوءا والمستشرفين الذين لا يستشرفون إلاّ الشرّ والخراب والتخريب! كاذب هو من يدّعي زورا وبهتانا بأن الجزائري "جبان"، فقد انتصر دون أن يُساعده أحد على إرهاب وحشي وأعمى بداية التسعينيات، وبحبّه لبلده وخوفه على مستقبله وماضيه، قاوم وحارب وانتصر على ذلك "الأخطبوط" الذي وجد نفسه فجأة في مواجهته، فكان النصر حتما مقضيا، وكتب التاريخ بمداد من ذهب، وشهدت الشعوب والدول على شجاعة وبسالة شعب لا يظلم ولا يُريد أن يُظلم، وإذا انتفض فإن انتفاضته مخالفة لكلّ الانتفاضات. تحليل مسيرات ومظاهرات "رفض العهدة الخامسة"، يجب أن يكون بواقعية وهدوء وموضوعية، وبعيدا عن التهوّر والاستفزاز والابتزاز والاشمئزاز، حتى تصنع الجزائر مرّة أخرى، كعادتها، التميّز والاستثناء، وتُبهر عالما لطالما نظر إليها بعض مغروريه بعين الحسد والغيرة أحيانا، وبعيون الريبة والتشكيك والتحريك والطمع في الكثير من الأحيان! قال لي أحد الشيوخ المخضرمين: نعم، الجزائري لا يُريد العودة إلى سنوات الدماء والدموع، لكنه لا يُريد أيضا أن يبقى حبيس تلك المرحلة ورهين مأساة وطنية، يجب أن يستفيد من دروسها الجميع، بدل استغلالها أو ركوبها أو تفسيرها بما ينفع البعض ويضرّ البعض الآخر! لم تعد هناك "كلمة مسموعة" – في الوقت الحالي على الأقل – لا لأحزاب الموالاة ولا لأحزاب المعارضة، فقد سمع المواطنون لهؤلاء وأولئك كثيرا، ولعدّة سنوات، والآن، يُريدون منهم أن يستمعوا هم لهم، ويقولوا لهم بلا تردّد أو تأخر أو مناورة: "فهمناكم"، بعد ما منحهم المواطنون الكثير من الوقت والفرص والمحاولات، لكن الساسة ضيّعوها هباء منثورا، وفشلوا في ابتكار الحلول واختراع البدائل ومخارج النجدة! ينبغي هذه المرّة، السماع لصوت المواطن، ففي ذلك، عبرة وهدف وجدوى ورسالة وسلام وخطوة نحو الأمام. بقلم جمال لعلامي (كاتب جزائري)