لم تجد اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الاوروبي (أليكا) إلى حد الآن طريقها إلى التوافق بين مختلف الأطراف المعنية بها في تونس رغم تعبير كل من الحكومة التونسية والاتحاد الأوروبي عن الرغبة في الامضاء عليها قبل نهاية 2019. حيث مازالت المخاوف تساور الكثيرين جراء ما يحيط بهذا الاتفاق من مخاطر تستوجب حسب الخبراء الاقتصاديين اتخاذ اقصى ما يمكن من الاحتياطات حتى لا يتحول من نعمة إلى نقمة على الاقتصاد الوطني. تحركات وقد تحركت مؤخرا عدة أطراف على غرار الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الذي عبّر في بيان اصدره مؤخرا اثر الاجتماع الدوري لمكتبه التنفيذي، عن «رفضه القطعي» تمرير الاتفاقية في صيغتها الحالية لما تمثّله من تهديد حقيقي للفلاحين والبحارة وقطاع الفلاحة داعيا اولا إلى تأهيل القطاع من أجل رفع الانتاجية وضمان التنمية المستدامة وتأمين السيادة الغذائية للبلاد وإكساب الفلاحة التونسية القدرة التنافسية اللازمة دون التقيّد بآجال زمنية مسبقة. كما دعا سياسيون وخبراء اقتصاد الى ضرورة التحرك للدفاع عن الفلاحة التونسية وعن النسيج الاقتصادي التونسي المكون اساسا من مؤسسات صغرى ومتوسطة. وقالوا ان هذا الاتفاق سيسمح للفلاحة الاجنبية باكتساح الاسواق التونسية وسيتسبب في تحطيم عناصر الانتاج للفلاحة التونسية وايضا في خلق منافسة غير متوازنة بين المؤسسات التونسية والمؤسسات الاوروبية.. وكان الاتحاد الأوروبي قد دخل مع تونس منذ نوفمبر 2012 في مفاوضات ال«أليكا» بهدف تحقيق اندماج للاقتصاد التونسي داخل السوق الداخلية الاوروبية وعموما في الفضاء الاقتصادي الاورو- متوسطي. ويرمي مشروع الاتفاق بالأساس إلى مزيد توسعة وإدراج قطاعات جديدة إلى منطقة التبادل الحر تنضاف إلى المنتوجات الصناعية والمعملية التي تم تحريرها بموجب اتفاق الشراكة لسنة 1995 الذي أقر حذف المعاليم الجمركية. وسيمكن هذا الاتفاق من خلق اطار موسع ليسهل بصفة تدريجية عملية التعاون والتبادل بين تونس والاتحاد الاوروبي في جميع المجالات ومنها : :تجارة الخدمات- الاستثمار وحماية الاستثمار - تجارة المنتوجات الفلاحية والفلاحة المُصنعة والصيد البحري - الصفقات العمومية- الاجراءات الصحية والصحة النباتية- الحواجز الفنية للتجارة- - التنمية المستدامة- الجوانب التجارية المتعلقة بالطاقة. من نعمة إلى نقمة؟ في تصريح ل»الشروق» حذر المحلل الاقتصادي محمد صالح الجنادي من عدم تهيئة الأرضية الملائمة في تونس للدخول في هذا الشراكة بندية وعلى قدم المساواة مع الطرف الأوروبي من حيث المنافع والواجبات المحمولة على كل طرف. وقال بالخصوص ان الخوف كل الخوف هو ان تكون استفادة الطرف الاوروبي أكثر من الطرف التونسي وذلك خاصة من حيث خدمة المصالح الاقتصادية وتحقيق الربح المادي. ويتضح الخوف ايضا على حد قوله بالنسبة لعدم جاهزية بلادنا لاستيعاب التنافسية الكبرى التي سيخلقها انتصاب المؤسسات والمشاريع الاوروبية على ارض الوطن في عدة مجالات ابرزها قطاع الخدمات والقطاع الفلاحي والقطاع الصناعي.. حيث ستفتح هذه الاتفاقية الباب أمام امكانية «تغول» المنتوجات الاوروبية على حساب المنتوجات المحلية سواء في السوق التونسية او عند التصدير وهو ما قد يهدد النسيج الاقتصادي في البلاد القائم اساسا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تفتقر الى قدرة تنافسية حقيقية مع نظيراتها في الدول الاوروبية، إلى جانب النسيج الفلاحي الذي يعاني بطبعه من الضعف والهشاشة.. ففتح المجال امام المستثمرين الاوروبيين في القطاع الفلاحي للاستثمار في تونس قد يتسبب في اختلال الاكتفاء الغذائي في بلادنا خصوصا في صورة توجيه المنتوج الفلاحي الذي سيقع انتاجه في تونس كليا نحو التصدير. كما يمكن ان تتأثر بهذه الاتفاقية أيضا سوق الشغل باعتبار ان المشاريع والمؤسسات الاوروبية التي ستنتصب في تونس ستكون لها حرية جلب اليد العاملة الاجنبية. وستُطرح حسب الجنادي مشاكل أخرى ذات علاقة باستعمال هذه المؤسسات والمشاريع المنتظر انتصابها في تونس للمواد المدعمة خاصة المواد الطاقية وما قد يتسبب فيه ذلك من نقص لهذه المواد او غلاء أسعارها إلى جانب الضغط المالي الذي سيُسلط على صندوقي التعويض والدعم.. تنقل الاشخاص ومن المخاوف المحيطة بهذه الاتفاقية ايضا امكانية تسببها في التأثير على علاقات بلادنا الاقتصادية مع اطراف أخرى خارج الفضاء الاوروبي على غرار الاقتصاديات الآسيوية او الامريكية او الخليجية او الافريقية بالنظر الى ما قد يقع فرضه على تونس من التزامات حصرية خاصة بالطرف الاوروبي فقط.. وتحدث محمد صالح الجنادي ايضا عن خطر آخر يحوم حول هذه الاتفاقية وهو المتعلق باختلال التوازن بالنسبة لتنقل الاشخاص.. ذلك ان الطرف الاوربي سيضع شروطا معينة لتنقل التونسيين نحو الفضاء الاوربي بغاية الاستثمار هناك وهي شروط تبدو صعبة التحقيق بالنسبة للتونسيين لأنها ترتكز أساسا على الحصول على تأشيرة بينما ستكون في المقابل هناك تسهيلات عديدة للأوروبيين للتنقل نحو تونس والانتصاب الاقتصادي فيها.