تونس (الشروق) يبدي عدد من المهنيين والمراقبين مخاوف كبيرة بشأن اتفاقية التبادل الحر والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي «الاليكا». وتعود أسباب مخاوفهم الى أن الاقتصاد التونسي (الخدمات والفلاحة) غير مؤهل في الوقت الحالي لمنافسة «العملاق» أي الاتحاد الأوروبي. وحسب دراسة أطلقها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في الفترة الماضية، فإن 68 بالمائة من الناشطين في قطاعي الزراعة والخدمات متخوفون من التأثيرات المرتقبة لهذا الاتفاق. ويأتي مشروع اتفاقية الاليكا كامتداد لاتفاقية التبادل الحر والشراكة التي أبرمتها تونس مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995. وينقسم المحللون لهذه الاتفاقية بين التشاؤم والتفاؤل. حيث يرى شق كبير منهم أن هناكا تباينا صارخا، بين «العملاق» أي الاتحاد الأوروبي مع «القزم» الاقتصادي التونسي، حسب بعض المراقبين الاقتصاديين. سوق للاتفاقيات الدولية ويجمع الخبراء في المجال الاقتصادي على أن تونس تحولت الى سوق للاتفاقيات الدولية، دون القيام بدراسات استشرافية، تحدد الانعكاسات السلبية لهذه الاتفاقيات وتحاول تجنبها ومعرفة الفوائد التي يمكن الحصول عليها، عند إبرام مثل هذه الاتفاقيات. ويجمع الخبراء على أن دخول تونس في هذه المفاوضات على الأقل كان «متسرعا». وقد انطلق الجدل حول هذه الاتفاقية منذ سنة 2014. وقد سبق لرئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة أن حاول التفاوض بخصوص هذه الاتفاقية. لكنه تراجع أمام الانتقادات التي اعتبرت أن دخول تونس في هذه الاتفاقية يعد مجازفة خطيرة قد تعود بالوبال على النسيج الاقتصادي الوطني. وما يجتمع حوله المراقبون للشأن الاقتصادي هو أنه قبل التفاوض بشأن الاتفاقية، يجب تقييم اتفاقية سنة 1995 المتعلقة بالمجال الصناعي، خاصة أن الآراء تراوحت بين من يقول إنها دمرت وخربت النسيج الصناعي، وبين من يعتبرها، ساهمت في تطويره وخلقت مؤسسات وشركات. علاقات غير متوازنة ويرى عدد من المعارضين لاتفاقية «الاليكا» ان انشغالهم ومخاوفهم لم يأت من فراغ بل نتيجة جملة من الاسباب لعل ابرزها، هو ان العلاقة بين تونس والاتحاد الاوروبي غير متوازنة وغير متكافئة، وهو ما يجعل بلادنا في وضعية غير مريحة عند التفاوض الى جانب ان الطرف التونسي يدخل هذه المفاوضات الجديدة دون القيام بعملية تقييم موضوعي للاتفاقيات السابقة منها اتفاقية الشراكة لسنة 1995. ويعتبر المحللون ان عملية التقييم ضرورية لتفادي الاخطاء السابقة، خاصة ان الارقام بينت ان النسيج الصناعي المحلي تضرر بعد اتفاقية الشراكة التي ابرمت بين تونس والاتحاد الاوروبي سنة 1995 ، وكانت نتائجها كارثية على الوضع الاجتماعي وعلى الاستثمارات المحلية. مجازفة خطيرة ويرى عدد من المراقبين الى العرض الاوروبي الرامي الى تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات انه مجازفة خطيرة تتطلب اولا، معرفة ماذا ستربح بلادنا وماذا ستخسر قبل الانطلاق في المفاوضات، ويستندون في ذلك الى تعليق عدد من البلدان على غرار مصر والاردن والمغرب للمفاوضات في قطاع الفلاحة، وتبرر هذه الدول موقفها، بان التبادل الحر في المجال الفلاحي له تداعياته الخطيرة على مجتمعاتهم وان منتوجاتهم الفلاحية غير قادرة على منافسة نظيرتها الاوروبية. وبخصوص العرض الاوروبي، الرامي الى تحرير الفلاحة التونسية، فان الاراء انقسمت حوله، بين من يرى ان تداعياته خطيرة في مجال تربية الابقار وزراعة الحبوب ومشتقاته، وهو ما قد يخلف أزمات اجتماعية جديدة، لكن آراء اخرى تعتبر ان العرض قد يكون ايجابيا اذا ما تم وضع سياسة فلاحية ناجعة قادرة على منافسة منتوجات الاتحاد الاوروبي، الذي يوفر منظومة حمائية للفلاح، في المقابل هذه الاجراءات غير متوفرة بالشكل المطلوب ببلادنا. ويتفق العديد من الفاعلين الاقتصاديين، ان اتفاقية الأليكا في الوضع الحالي للاقتصاد التونسي، تخدم فقط مصلحة الأوروبيين، وان انعكاساتها ستكون وخيمة خاصة على المجال الفلاحي والخدمات المحلية، وهو ما يتطلب مزيدا من التريث والتروي قبل إمضاء الاتفاقية. كريم داود رئيس نقابة الفلاحين التونسيين ل«الشروق» .. حوار وطني لتقييم اتفاقية الأليكا هل تعتقد أن تونس تحولت الى سوق للاتفاقيات الدولية؟ في البداية أريد التأكيد على أن تونس منذ القدم كانت منفتحة على العالم في المجال التجاري. وهذا الانفتاح يساهم في مزيد تطوير منتوجاتها الفلاحية والصناعية والخدماتية. وقد برهنت العديد من المنتوجات التونسية على قدرتها العالية على منافسة المنتوج الأوروبي والتغلب عليه بفضل جودته العالية. كيف تقيم العرض الأوروبي بخصوص تحرير قطاع الفلاحة؟ قطاع الفلاحة حساس. ويتطلب القيام بعملية تأهيل. والعرض الأوروبي يتطلب من الجانب التونسي معرفة أولا ماذا سيربح وماذا سيخسر؟ لكن دون التغافل عن المشاكل التي تعانيها الفلاحة المحلية، من ذلك أن 80 بالمائة من الفلاحين التونسيين يمتلكون أقل من 10 هكتارات و80 بالمائة من المربين يمتلكون أقل من 10 أبقار، وبالتالي فالفلاحة التونسية صغيرة ولا توجد تعاونيات لخلق فلاح قوي. كنتم قد شاركتهم، في جلسة حول هذه الاتفاقية ببرلمان بروكسل، فماهي المطالب التي رفعتموها الى الاتحاد الأوروبي؟ نعم، لقد تقدمنا بجملة من المطالب للاتحاد الأوروبي، من ذلك التزامه بمساعدة تونس على القيام بالإصلاحات الكبرى في المجال الفلاحي ، باعتبار أن هذه الاتفاقية قد تدمر العديد من المجالات الفلاحية على غرار الخضر والغلال والزراعة. بماذا تنصحون المفاوض التونسي؟ أعتقد أن النجاح في المفاوضات يتطلب تنظيم الصفوف أولا ووضع اليد في اليد وتجنب الحيطة والحذر قبل المجازفة، والقيام بإصلاحات عميقة منها تطوير الصناعات الغذائية المحلية التي تمثل العمود الفقري للفلاحة الأوروبية، والقيام بحوار وطني عميق حول هذه الاتفاقية مع جميع الأطراف حتى تتوضح الرؤية للجميع. لسعد الذوادي ل «الشروق» اتفاقية "الأليكا" أخطر من معاهدة باردو لسنة 1881 فاد رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين لسعد الذوادي في تصريح ل"الشروق" ان اتفاقية الاليكا اخطر من معاهدة باردو لسنة 1881، وذلك بسبب المخاطر العديدة التي قد تنجر عن هذه الاتفاقية. واعتبر لسعد الذوادي ان تونس لا يمكنها التفاوض، لانها لا تملك القوة على فرض اقتراحاتها امام العملاق الاتحاد الاوروبي، معتبرا ان اتفاقيات الشراكة كان من الأرجح ابرامها مع بلدان المغرب العربي او بلدان عربية، مضيفا ان المغرب اوقف التفاوض مع الاتحاد الاوروبي لانه بلد واع بخطورة ذلك على نسيجه الاقتصادي. وتابع الذوادي ان الاتحاد الاوروبي خرب النسيج الصناعي خلال سنة 1995 اذ في ذلك الوقت لم تكن اتفاقية شراكة بل هي مجرد تبعية، ادت الى افلاس عدد من الشركات الصناعية وفقدان آلاف مواطن الشغل، مشيرا الى ان برنامج التاهيل الذي تم القيام به في ذلك الوقت، تم بعد اغراق تونس بالمديونية من خلال قروض حصلت عليها تونس من الاتحاد الأوروبي لكنها لم يقع استغلالها في عملية التأهيل بل سيطرت عليها ما اسماها عصابات ومافيات ومكاتب دراسات اجنبية قدمت لتونس نتائج مغلوطة. وقال الذوادي ان اتفاقية الأليكا هي المرحلة الاخيرة من برنامج الاتحاد الأوروبي لتدمير النسيج الاقتصادي التونسي بعد تخريبه للنسيج الصناعي عبر التوريد الفاحش والمكثف على حد قوله، مضيفا ان هناك قطاعات استراتيجية (الفلاحة والخدمات) يعتبر المساس بها كارثة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، باعتبار ان هذه القطاعات لا يمكنها منافسة الشركات الأوروبية التي تحظى بالدعم المادي من بلدانها. وقال محدثنا ان القطاع الفلاحي سيتضرر من هذه الاتفاقية، ويمكن ان يتسبب ذلك في احالة 500 الف فلاح على البطالة و2 مليون عائلة على الفقر ، مضيفا ان محيط الاستثمار ببلادنا متعفن ومكبل، وانه قبل امضاء هذه الاتفاقيات يجب تنفيذ توصيات الاتحاد الاوروبي في المجال الخدماتي والفلاحي والشهائد العلمية المؤرخة في 12 ديسمبر 2006.