الوصول الى السلطة ..طريق تم تأثيثه بكل الآليات الديمقراطية. وتم تثبيت هذه الآليات بنصوص قانونية تضمن استمراريتها ونفاذها. لكن بقيت الممارسة السياسية في تونس منقوصة من آلية «المناظرة التلفزية « المعتمدة في أعرق الديمقراطيات. تونس -الشروق "المناظرة التلفزية" أصبحت ركنا أساسيّا في التنافس السياسي في أعرق الدول الديمقراطية. وانتقلت المناظرة من إطار عفوي للمواجهة بين مرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية إلى تقليد أساسي يؤثّر بشكل جوهري في اختيارات الناخبين. ويوجّه بوصلة الأصوات إلى الأكثر براعة وبلاغة وإقناعا. المناظرة السياسية سبقت التلفزيون. وانسجمت معه بعد ظهوره. فأشهر مناظرة في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي من الدول الأوائل في استعمال هذه التقنية، كانت قبل ظهور التلفزيون بمائة سنة في انتخابات 1860 بين عضو الكونغرس «إبراهام لينكولن « الجمهوري والسناتور «ستيفن دوغلاس « الديموقراطي. وتحدّث المرشحان عن تجارة العبيد وامتلاكهم. المناظرة في فرنسا أما فرنسا فقد شهدت أول مناظرة تلفزيونية بين مرشحين للانتخابات الرئاسية سنة1974 وجمعت حينها بين «فرانسوا ميتران» و»فاليري جيسكار ديستان» الذي استطاع أن يقلب الموازين لصالحه من خلالها. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المناظرات التلفزيونية من أهم مراحل الحملات الانتخابية للمرشحين الذين يحاولون التأثير على الرأي العام وكسب أصوات الناخبين من خلالها. المناظرة أصبحت تقليدا سياسيا. وخصصت لها عديد الدول لجانا خاصة تقوم بتنظيمها. فالولاياتالمتحدةالأمريكية شكّلت لجنة أطلقت عليها لجنة المناظرات الرئاسية (CPD). وهي مؤسسة غير ربحية، يرأسها رؤساء سابقون وسياسيون وإعلاميون يحددون معايير وأماكن محددة لهذه المناظرات. وتنقلها كل وسائل الإعلام على اختلافها. الباجي والمرزوقي في تونس تغيّرت بوصلة الممارسة السياسية في اتجاه الديمقراطية. وتم تأثيث المشهد بكل الآليات التي تكفل الديمقراطية. لكن بقيت آلية «المناظرة « كأداة تُمكّن النّاخب من حُجج واقعية لاختيار هذا المرشح أو ذاك، مفقودة بالرغم من بعض المحاولات لاعتمادها وإرسائها كتقليد سياسي يسبق الانتخابات الرئاسية. أولى الدعوات كانت في فترة التنافس بين رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي ورئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي، إضافة الى مناظرة بين عدنان منصر مدير الحملة الانتخابية للمرزوقي، ومحسن مرزوق مدير الحملة الانتخابية للباجي قائد السبسي سنة 2014. وتم الإعلان عن موعد لإجراء المناظرة لكن تم التراجع عنها في ما بعد. بين الشاهد والرحوي آخر دعوات القيام بمناظرة تلفزية أطلقها رئيس لجنة المالية في البرلمان والقيادي في الجبهة الشعبية منجي الرحوي، الذي طلب إجراء مناظرة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وشدد الرحوي على استعداده لمناظرة الشاهد في حصة تلفزية مباشرة تدوم ساعتين. وتهم كل الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. الإعلان عن عزم منجي الرحوي الترشح للانتخابات الرئاسية والحديث عن إمكانية ترشيح حزب ائتلاف تونس ليوسف الشاهد لسباق الانتخابات الرئاسية أيضا ،يحيي الجدل حول إمكانية إجراء هذه المناظرة، خاصة أن الرحوي ألحّ على إجرائها في أكثر من لقاء إعلامي. لكن يبقى السؤال حول إمكانية إجراء هذه المناظرة بين الشاهد والرحوي، أو حتى بين مرشحين آخرين وخاصة اللذين استطاعا تجاوز الدور الأول في الانتخابات الرئاسية وبلوغ الدور الثاني، وانطلاق اعتماد هذه الآلية في تونس. التغطية الإعلامية للمناظرات التلفزية كشفت دراسة أمريكية حديثة أن تأثير التغطية الإعلامية للمناظرات التي تسبق الانتخابات الرئاسية، على توجهات الناخبين، يفوق تأثير تلك المناظرات نفسها . وقام باحثون في جامعة أريزونا بإجراء تجربة علمية على مجموعة من الناخبين، لدراسة تأثير المناظرات التلفزيونية على ميلهم الانتخابي باتجاه مرشح رئاسي عن آخر.واعتمدت الدراسة على 3 مناظرات في انتخابات رئاسية سابقة، عرضت على ناخبين مختلفي الأعمار والتوجهات، قبل منحهم فرصة التصويت الفعلي مرتين، مرة عقب مشاهدة المناظرة نفسها ومرة أخرى عقب مشاهدة ساعة كاملة من تغطية تحليلية لإحدى القنوات الإخبارية الأمريكية لكل مناظرة. وأظهرت البيانات أن التغطية التحليلية التي تقدمها القنوات الأمريكية، تلعب دورا أكبر في تكوين الصورة الذهنية للناخبين بشكل أكبر من المناظرة نفسها. مواقع التواصل تنقل المناظرة دخلت مواقع التواصل الاجتماعي على الخط. وأصبحت تتقاسم مع القنوات التلفزية تغطية المناظرات السياسية. ووفرت هذه المواقع إمكانية التواصل مع المناظرات بشكل مباشر. ووفقاً لمتحدث باسم موقع «تويتر» فإنّ المناظرة بين كلينتون وترامب حصدت أعلى نسبة تغريدات على الإطلاق. كما في «فايسبوك»، الذي صرّح متحدث باسمه أن الموقع حصد عددا هاما من التعليقات. وشكّل موضوع النقاش الأبرز مسجلا ً79 % من جملة النقاشات في «فايسبوك» و62 % من النقاشات في «تويتر».