تونس الشروق: برغم ما تبدو عليه من أريحيّة وسبق في المبادرة والاستعداد للمواعيد الانتخابية القادمة، وبرغم ما تملكهُ أيضا من قدرات وهوامش للمناورة وفتح الآفاق، فحركة النهضة واقعةٌ اليوم وسط كمّاشة لعبة توازنات صعبة وعسيرة، بين رأسي السلطة التنفيذيّة من جهة، وبين حزبي النداء وتحيا تونس من جهة أخرى. هي وضعيّة معقّدة دونما شك، فيها الكثير من مظاهر التشابك: 1- كيف تحفظ للسبسي مكانته ولا تقطع شعرة معاوية معه؟ وفي المقابل كيف تُواصل دعمها للشاهد وتثبيتها لخيار الاستقرار الحكومي؟ 2- كيف تمنح أنفاس الحياة للحليف الجديد (تحيا تونس) دون وأد الحليف السابق نداء تونس؟ تحركات الاسبوع المنقضي، أثبتت توجّه النهضة الى شيء أشبه بالدفع نحو البقاء فعليا في منطقة وسطى بين الضفتين، وهو وضع يسمح لها نظريّا بامكانية التحرّك على أكثر من واجهة وتعديل مواقفها الراهنة، ومنها قلب الطاولة والعودة إلى المربّع القديم، أي توافق الشيخين والشراكة مع النداء، ونظريا هذه فرضيّة ممكنة، إذ بإمكان الشيخين الجلوس معا من جديد، وبإمكان الحزبين تحقيق أغلبيّة برلمانيّة (109) لإعادة ترتيب المشهد البرلماني والحكومي أيضا. السياسة هي فنّ الممكن ومسك خيوط اللعبة أينما يُمكن أن يذهب اتّجاه البوصلة، في اتجاه القصبة والبلفدير، أو قرطاج والبحيرة، والنهضة حقّقت هذا الممكن الآن، فأينما ستولّي وجهها ستجدُ الطريق مفتوحا والانجاز ممكن التحقّق. وتؤكّد الكواليس أنّ لقاءات راشد الغنوشي بالسبسي الابن والسبسي الاب بلطفي زيتون، فعلٌ إرادي يتساوق مع تحذيرات النهضة المتتالية للشاهد من توظيف أجهزة الدولة في الشأن الحزبي بل يدعمها ويحقّق معها في النهاية نفس الغاية، وهي أن لا شيء ثابت وقد يأتي التغيير أو تعديل الموقف والموقع. من المؤكّد أيضا، أنّ ما يعتملُ في الواقع من أحداث ومستجدّات، محليّا وإقليميا ودوليا، لا يمنحُ الثقة الكاملة في استشراف صحيح ونهائي بما قد تؤول إليه الاوضاع في ظل تزايد الضغوطات الاقتصاديّة والاجتماعية وأيضا عودة تحريك تحوّلات وخيوط تسويات جديدة في المنطقة شرقا (الجزائر) وغربا (ليبيا وسوريا)، دون نسيان ما يتخبّط فيه الموقف الدولي من الوضع في المنطقة والذي قد يكون له تأثير على بلادنا. المطّلعون جيّدا على الفلسفة التي تنضبط لها مختلف سياسات حركة النهضة ومواقفها يستنتجون أنّ إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها، يرتقي لأن يكون رهانا استراتيجيا قاطعا في تفكير النهضة، تراها موعدا مصيريا وتاريخيا ليس فقط في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي، بل أيضا في تثبيت موقعها في المشهد السياسي التونسي بصفة نهائيّة. إذ في ظل تواصل خطابات شيطنة النهضة وخطابات التحريض عليها، وما يتوجّسه النهضويّون من أجندات معادية تستهدفهم بالملاحقة، وما يبدو من عدم ثقة تامّة في المشروع السياسي لرئيس الحكومة، مثلما تعكسه البيانات والتصريحات المتتالية، تجدُ النهضة نفسها مجبرة على أن تُمارس سياسة الجلوس على المقعدين في آنٍ واحد، الى حين قياس أيّهما الأفضل والأسلم لتأمين السير إلى الانتخابات أوّلا وأخيرا، فحليفها هو الأقدر على توفير أكثر الضمانات للوصول الى ذلك الهدف. قد يبدو يوسف الشاهد اليوم الأكثر فاعلية، بحكم موقعه المركزي في السلطة التنفيذيّة وتقدّم خطوات تأسيس الحزب الجديد، ولكن انفتاح النهضة على نداء تونس ومراسيل الود والمجاملة وباقات الورود الموجّهة إلى رئيس الجمهورية وتمسّك هذا الأخير بمنهج التضييق وتشديد الخناق على الشاهد ومن ورائه النهضة، كلّها عناصر تؤكّد وكأنّ الأمر غير مستقرّ ولم ينته، وأنّ النهضة على الأرجح تواصل الآن سياسة مسك العصا من الوسط ومحاولة كسب رهان لعبة التوازنات بين الضفتين، ولو الى حين، والابقاء عليها الى لحظة استقرار موازين القوى الحقيقيّة بينهما والميل حينها إلى الأكثر فعالية ونجاعة، أو قد يحدث ما هو غير منتظر بالنجاح في مسار «الخيار الثالث».