حتّى الربيع تعرّب وأصبح ربيعا عربيا في أريافنا وحقولها ومزارعها وأجنتها. لم نعد نسمع للطير فيها تغريدا ولا زقزقة ولا غناء ولا شدوا كما كنا. كل الطيور قلّت وندرت وبعضها انقرض ولم يعد له وجود إلا في الذاكرة. أنواع شتى من الأزهار انقرضت من البراري ومن على وجه الأرض. فلا نسائم تنقل عطرها ولا نحل يرعى رحيقها ولا فراشات تتزيّن من زينتها بل حتى الفراشات أصبحت نادرة. نباتات برية شتى تربينا على أكلها ونحن صغار نهيم بين الزهور مع الفراشات وشدو البلابل انقرض من حقولنا وبرارينا كل ما هو ربيعي والجمال من العصافير والأزهار والفراشات اندثرت و تكاد في حربنا الكيمياوية على الأعشاب في المزارع لإبادتها فوالله لولا أملاك الدولة من الأراضي الشاسعة المهملة ما عرف صغارنا «الخبيزة» و«اللبسان» و«الأقحوان» و«البُك» و«الحريقة» وشقائق النعمان في كل مكان من أرض «البيليك» الواسعة التي تحوّلت إلى محميات ل«البك» و«الحريقة» على وجه الخصوص ومن محاصيل بذورهما تتزود مزارعنا طولا وعرضا مجانا. وفيها تعشّش وتبيض وتفرّخ الثعابين والأفاعي ويتمتع «البزويش» بالحرية والكرامة. اسألوا سكان البوادي عمّن أسكتوا العصافير عن الشدو والغناء وعمّن حرّموا على نسائم البادية نقل عطر الزهور وعمّن أعدموا الزهر وقتلوا الفراشات وجوعوا النحل وأبادوا العديد منه إنه الربيع العربي الآخر الذي يعتمد هو الآخر على إبادة كل ما هو جميل على وجه الأرض. ربيع يقتل البلابل حتى لا تشدو للحياة والفراشات حتى لا ترقص لها والأزهار حتى لا تعطرها والنحل حتى لا تذوق حلاوة عسله أليس ما في ربيعنا ما في الربيع العربي. إذن أخيرا استغرب ربيعنا.