هذا دعائي ورجائي كل صباح جديد: «يا ستّار أستر» خشية المزيد من الكوارث والمصائب والعجائب والغرائب التي فاجأنا بها الربيع التونسي مرّة ثم صارت متكرّرة بلا انقطاع بوتيرة يومية وبصفة عادية ومشيئة بشرية يتبرّأ منها القضاء والقدر لأن اللّه لا يقدّر إلا الخير ولا يقضي إلا بما نحن أهل له. قد ينحبس المطر فنستغيث، لا بأفعالنا بل بصغارنا وأنعامنا ومزدرعاتنا فنغاث، وقد ينقطع التزويد بالماء أو الكهرباء لعطل طارئ مشكوك في مسبّبه فنصبر ساعات معدودة تذكرنا بمياه العيون والوديان والآبار أو بأنوار الشموع والمصابيح الى أن نعود الي الحضارة والرفاهية، كل هذا عشناه وألفناه وما كنا بمشتكين ولا متخوّفين لثقتنا في عودة المياه الى مجاريها والحياة الى طبيعتها. لكن ما أخشاه ولا أتصوّره هو أن يتعطّل أو يتوقّف مكسب وطني كمؤسسة إعلامية ارتقت طوال العقود من مصلحة خاصة الى مصلحة عامة بمنزلة المرفق العام بما أنها صارت بصحفها وصفحاتها جزءا من حياتنا تعدّل الميزان وتضخّ فينا الأمل لنتنفّس نسمات الحرية رغم المصاعب والفواجع وهي أكثر من ذلك، هي مصدر معلوماتنا ومرآة أحوالنا ومشخّصة أوضاعنا، بل هي أيضا معين لا ينضب من المواد الاعلامية تتغذّى منه البرامج الاذاعية والحوارات التلفزية لمزيد الإثراء بالتوضيح والتحليل والتوعية والإفادة. ومن دونها تتعطّل أمور عديدة وتفشل جهود كثيرة وهذا ندركه جميعا كل صباح وكل مساء سواء بذكر المصدر أو بتعمّد إغفاله تغافلا بطوليا والحال أن جل ما يقال على أنه سبق إعلامي إنما هو مكتوب سلفا ومقروء ومنقول حرفيا غالبا من دون اجتهاد أو إضافة من باب التوسّع في المضمون أو التصرّف في الأسلوب مراعاة لفوارق العرض الواجبة بين القراءة والسماع على قدر الفوارق بين الورقيّ والمذاع والمرئي. والخطر اليوم يتهدّد وبالأحرى يهدّد كل ما هو مكتوب من الصحافة الى الطباعة، ومن الجرائد الى المجلات والكتب نتيجة سوء استعمالنا للحوامل الالكترونية خلافا للمتقدمين علينا الذين نجحوا في التوفيق بين الورق وبين الشاشة حتى غدت «الأنترنات» وشبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» متآلفة مع الحوامل التقليدية الموثقة لذاكرتنا، بل أصبحت خادمة لها. فبالحاسوب أو بالهاتف الجوال الذكي تصلنا أهم العناوين من المقالات والدراسات والاصدارات فنهبّ لاقتنائها ونحافظ عليها في مكانها من مكتباتنا العائلية زيادة على العمومية مواكبين بتصرّفنا المستجدات وفاعلين فيها أحيانا على قدر الاستطاعة. إنها منظومة متماسكة العناصر، إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى... وتوقّفت لا قدّر اللّه عجلة التقدم الشامل والمتكامل في بلادنا، خاصة في هذه المرحلة الحرجة... وعاشت صحفنا مشرقة بأنوارها على العقول والقلوب، لرؤية الطريق.