بداية من العام 2021 ستكون تونس مطالبة بسداد ديون 123 قرضا خارجيا حصلت عليها ما بين 2012 و2016. وتقدّر قيمة سداد هذه القروض بألف مليون دولار سنويا وفقا للتقرير السنوي العام 31 لدائرة المحاسبات. فهل ميزانيتنا جاهزة لهذه المصاعب؟ تونس/الشروق لا تعكس المؤشرات الاقتصادية الحالية ولا وضعية المالية العمومية أي تحسّن يجعل البلاد في وضعية القادر على مواجهة هذا التحدّي الذي ينتظر البلاد سنة فقط بعد إجراء الانتخابات المقررة نهاية العام الحالي. كما لا تعكس الآفاق الاقتصادية المستقبلية، إذا ما استندنا الى الحصاد الاقتصادي للأحزاب الحاكمة، قدرة خارقة للبلاد على مواجهة هذا العبئ في الديون الخارجية والتي سيتواصل سدادها الى غاية 2055 وفقا للتقرير السنوي العام الواحد والثلاثين الصادر عن دائرة المحاسبات في ديسمبر 2018. ديون بلغت القيمة الجملية للقروض الخارجية المتحصل عليها من 2012 الى ديسمبر 2016 ما يناهز 18.725 مليون دينار وهي حصيلة 123 قرضا حصلت عليها البلاد من 16 ممولا وهي موزعة بين الدعم المباشر للميزانية (9.414 مليون دينار) ومصدرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الافريقي للتنمية وبين تمويل المشاريع والبرامج (2.557 مليون دينار) ومصدرها البنك الاوروبي للاستثمار (15 بالمائة) والبنك الافريقي للتنمية (15 بالمائة) والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (13 بالمائة) والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (12 بالمائة). هذه القروض تولت وزارة التنمية والتعاون الدولي، (تحمل تسمية وزارة التنمية حاليا)، إبرام الجزء الاوفر منها وخاصة منها المسندة من المؤسسات المالية الحكومية مثل الوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الياباني وغيرها وكذلك الممنوحة من طرف الصناديق الحكومية مثل صندوق أبو ظبي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تولت وزارة المالية إبرام قروض المزودين وقروض السوق المالية العالمية وكذلك تأمين تسديد المبالغ المستحقة بعنوان الدين العمومي. ويؤكد تقرير دائرة المحاسبات ان الميزانية العمومية واجهت صعوبات منذ 2012 إذ فاقت نسبة العجز الأمثل المتوقع (متوقعة 3.92 بالمائة) من الناتج المحلي الإجمالي. كما تراجعت الاستثمارات الخارجية التي تمثّل بديلا للتداين الى 27.5 بالمائة من جملة التمويل الخارجي وهي التي كانت في حدود 46.2 بالمائة كمعدل سنوي خلال الخماسية 20062010. تراجع الترقيم السيادي يشير التقرير السنوي العام الواحد والثلاثين لدائرة المحاسبات الى ان قيمة الدين العمومي الخارجي بلغت 36.413.4 مليون دينار سنة 2016 وارتفعت الى 46.644 مليون دينار في السنة الموالية. وأكد ان البلاد مطالبة بتسديد ما يناهز الف مليون دينار سنويا بداية من العام 2021 بعنوان القروض المبرمة الى غاية 31 ديسمبر 2016 وسيتواصل هذا الضغط الى غاية العام 2055 وهو ما يعني تواصل عبئ التداين على أعناق الأجيال القادمة. فما الذي أوصلنا الى هذه المرحلة من العجز عن النمو الاقتصادي وتحقيق الثروة الوطنية وإخراج البلاد من متاهة المديونية التي تمسّ أيضا القرارات السيادية للبلاد؟ لا تتوقف أزمة تونس عند ارتفاع طلبها على التداين الخارجي بل هي تحصل على قروض بنسب فائدة مرتفعة من السوق المالية العالمية بسبب تراجع ترقيمها السيادي. ويشير تقرير دائرة المحاسبات إذ تطورت فائدة القرض الرقاعي غير المضمون الصادر سنة 2015 ما نسبته 5.75 بالمائة وهو الامر الذي دعا دائرة المحاسبة الى "ضرورة ترشيد الاقتراض من السوق المالية العالمية والحد من كلفته نظرا لصيغة تسديده الذي يتم دفعة واحدة ما من شأنه ان يعرّض الدولة الى مخاطر إعادة التمويل". كما اثر تراجع الترقيم السيادي على معدل مدة اصدار القروض الرقاعية ليتراجع الى 6.33 سنة خلال 20112016 (بالنسبة للقروض الرقاعية المتحصل عليها بضمان من الحكومة الامريكية) بعد ان كان في حدود 17 سنة بالنسبة لقروض السوق المالية عموما قبل الثورة. كما زاد تراجع قيمة الدينار في مزيد تعقيد أزمة الدين العمومي الخارجي. نتائج القروض دون المأمول هذا التراكم في الديون الخارجية لم يثمر نتائج إيجابية بل إن نتائج هذه القروض كانت دون المأمول إذ يشير تقرير دائرة المحاسبات مثلا الى ان برنامج "سياسات التنمية المتعلقة بالحوكمة وخلق فرص ومواطن الشغل" الممول بقرض مبرم مع البنك الافريقي للتنمية لم يحقق الأهداف المتعلقة بتحسين التأطير بالجهات والشراكة مع القطاع الخاص في مجال التكوين واعتماد استراتيجية وطنية للتشغيل إذ لم يتم الحد من نسبة البطالة المرتفعة وتعود الأسباب الى نقص فاعلية البرنامج المعتمد باعتباره حامل لحلول ظرفية. كما أسهم تأخير المصادقة البرلمانية على مجموع من النصوص ضمن اتفاقيات القروض المبرمة في تعطيل الإصلاحات الواردة في البرامج وفاق التأخير على المصادقة على البعض منها 3 سنوات والنتيجة هي تراجع مؤشر تنافسية الاقتصاد التونسي الى المرتبة 95 من مجموع 138 دولة في 2016 بعد ان كانت في المرتبة 40 في 2011. هذا الوضع تضاعف بتأخر وضع استراتيجية خاصة بالدين العمومي وتضبط بكل دقة حاجيات البلاد من الاقتراض الخارجي بسبع سنوات اض صدر الامر الذي ينص على وضعها في العام 2011 ولم تصدر سوى خلال العام 2017. هذا التأخير أسهم في غياب دقة ضبط الحاجيات المتصلة بالاقتراض وأدى الى تزايد اللجوء الى السوق المالية العمومية لتمويل الميزانية. بل إنّ الحاجة الى الدين الخارجي زادت ب8.76 نقطة في 2015 عن التوقعات الصادرة في 2013 والتي كانت تنتظر تراجعا في اللجوء الى الاقتراض الخارجي. وتقدر نسبة التداين المسجلة خلال العام 2016 حوالي 62 بالمائة ويعود هذا التطور الى تراجع مجمل مؤشرات الاقتصاد التونسي. ولا يعيش الاقتصاد الوطني اليوم الانتعاش المطلوبة للخروج من متاهة المديونية الخارجية رغم تحسن مؤشرات القطاع السياحي ومؤشرات صادرات الإنتاج الفلاحي وخاصة صادرات زيت الزيتون. نحن في مواجهة سنوات صعبة قادمة على مهل ستحكمنا فيها ذات الأحزاب التي أدت خياراتها الاقتصادية الى هذا الوضع الاقتصادي الصعب. جمال الدين العويديدي (خبير اقتصادي) الوضع خطير تونس/الشروق : قراءة أسماء سحبون قال الخبير الاقتصادي جمال الدين العويديدي في آخر اصداراته حول استقلالية البنك المركزي إنّ "تعطيل الاقتصاد المنتج خاصة على المستوى الصناعي المحلي منذ 20 سنة على التوالي وانهيار قيمة الدينار الناتج عن التوريد المكثف والفوضوي اسهما في انهيار التوازنات المالية الخارجية للبلاد وفي تنامي المديونية الخارجية". ولا يمكن الخروج من هذه الازمة العميقة والهيكلية إلا عبر اتخاذ التدابير السيادية لرد الاعتبار لقيمة العملة الوطنية. وهو قرار يتطلب وفقا لجمال الدين العويديدي تطبيق حق الحماية وترشيد التوريد على مستوى يتناسب مع إمكانيات البلاد الحالية التي لا يمكنها ان تعوّل على التصدير "لان فاقد الشيء لا يعطيه". وكان العويديدي قد طالب بتطبيق حق الحماية منذ جانفي 2018 إثر تطور الحراك الاجتماعي الرافضة لمجمل التوظيفات التي حملها قانون المالية الخاص بالعام 2018. واعتبر ان السلطات تعتمد المغالطة في التغطية على فداحة العجز التجاري حيث ارتفع هذا العجز الى مستوى قياسي "شديد الخطورة" على حد وصف العويديدي ليصل الى 29 مليار دينار في 2018. وتساءل العويديدي حول كيفية تغيطة عجز تجاري في هذا المستوى المهول عبر "ميزان خدمات لا يوفر تقريبا الا 8 مليار دينار في أحسن الحالات لان الجواب البديهي هو حتما المزيد من المديونية". وانتقد العويديدي الالتزامات التي تنتهجها تونس مع صندوق النقد الدولي منذ ارسالها رسالة النوايا بتاريخ 2 ماي 2016 الى كريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي والتي تؤكد التزام تونس بكل البنود التي يعتمدها صندوق النقد الدولي علما وان اهم الخبراء من داخل صندوق النقد الدولي دعوا الى ضرورة مراجعة السياسات التي يفرضها الصندوق "حيث تبين ان سياسة التقشف أدت الى الركود الاقتصادي نتيجة تقلص القدرة الشرائية للمواطن وتراجع الاستهلاك مما يتسبب في ارتفاع نسبة البطالة.