مُقترح رئيس الجمهورية القاضي بتعديل الدستور يمكن اعتباره طرحا سياسيّا مفارقا لواقع أصبح فيه الرئيس لا يمتلك النفوذ الكافي لتمرير مبادرة بهذا الحجم ،إضافة إلى تنافي ما يطرحه مع الاطار القانوني لتعديل الدستور. تونس الشروق: أعاد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي طرح ملف تعديل الدستور مرة أخرى بعد ان صرّح ولمّح لهذا الملف في مرات عديدة منذ توليه رئاسة الجمهورية في أواخر سنة 2014 ، مشيرا إلى ضرورة اعادة النظر في نص الدستور خاصة في ما يتعلّق بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية والتي تعتبر ضعيفة جدا مقارنة بصلاحيات رئيس الحكومة . ضرورة التعديل الباجي قائد السبسي أعاد في الذكرى 63 للاستقلال ،طرح هذا الملف بشكل أكثر صراحة ،مؤكّدا أنه يمتلك تصورا كاملا وجاهزا لتنقيح الدستور، مشيرا إلى استعداده وضع هذه التعديلات على ذمة كل الراغبين في التنقيح ،مستنكرا انقلاب موازين القوى صلب السلطة التنفيذية لصالح رئيس الحكومة . رئيس الجمهورية يعيد إثارة هذا الملف في سياق مخالف تماما للاطار الذي تم خلاله طرح الملف في البداية ، فعندما طرح الباجي قائد السبسي ملف تعديل الدستور في بداية حكمه كان يُحكم قبضته على السلطة التشريعية ،المخولة اصالة بالنظر في نص الدستور ، وحينها كان للنداء كتلة تضم 86 نائبا وكان الباجي قائد السبسي يمتلك سلطة رمزية على كتلة النهضة التي تضم 69 نائبا ، وكان للرئيس حينها القدرة على تمرير التعديل من الناحية العددية . ضعف الرئيس الان تغيّرت كل المعادلات والرئيس الذي كان يمتلك بيده النفوذ على السلطة التنفيذية برأسيها ،وعلى السلطة التشريعية أصبح ضعيفا إلى درجة أنه فشل في الإطاحة بحكومة الشاهد بالرغم من دفعه بشكل مباشر وغير مباشر الى اسقاطها ، حتى انه عجز عن تمرير قانون المصالحة بالشكل الذي اقترحه على البرلمان ولم يبق من النص الذي عرضه على مجلس نواب الشعب سوى ثُلثه فقط . من الناحية السياسية ونفوذ رئيس الجمهورية تبدو مسألة تنقيح الدستور حاليا ملفا مستحيل التحقيق خاصة وان كتلة نداء تونس نزلت دون ال 40 نائبا ومن الصعب إيجاد توافقات مع كتل أخرى لتمرير التنقيح ، لكن النظر في هذه المسألة ومقاربة ما إن كانت الفرضية ممكنة او مستحيلة ، تنتفي كليّا إذا طرحنا هذا الملف من الزاوية القانونية الدستورية. المحكمة الدستورية مجرّد الاطلاع على باب تعديل الدستور يمكن ان يوضح صورة جليّة أن إمكانية تعديل الدستور الان مستحيلة وما طلبه الباجي قائد السبسي ،خارج السياق الواقعي فالفصل 143 من الدستور ينص على أنه «لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حقّ المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر» وهو ما اعتمد عليه الرئيس في القول بضرورة التعديل ، لكن الفصل 144 ينص على أن «كلّ مبادرة لتعديل الدستور تُعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور....» . الإقرار بجوهرية المحكمة الدستورية في عملية تنقيح الدستور يجعل من هذه العملية مستحيلة باعتبار عدم وجود المحكمة الدستورية وفشل البرلمان في تمرير أعضائها وفتح الباب لاعادة الترشيحات مرة ثانية بعد استيفاء كل الاليات القانونية للتصويت لصالح ثلاثة أعضاء أكد القانون المحدث للمحكمة على ضرورة انتخابهم من قبل نواب البرلمان . لا يعتبر أولوية أكّد نائب حركة النهضة بشير الخليفي أن تنقيح الدستور والتوسيع في صلاحيات رئيس الجمهورية لا يعتبر ملفا له الأولوية في الفترة الحالية ،وأشار الى وجود ملفات اخرى لها الأولوية مثل انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية. المحكمة الدستورية أكّد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي على ضرورة تركيز المحكمة الدستورية قبل أن يتحدث رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي على ضرورة تنقيح الدستور.