كيف يمكن تفسير البروز الملحوظ لحزب «تحيا تونس» والحال وان تأسيسه مازال جاريا؟ حزب تحيا تونس هو النسخة المحينة والمعدلة من نداء تونس.وبالتالي لا توجد صعوبة في عملية التأسيس أو في عملية الانخراط فيه أو حتى اختياره في استطلاعات الرأي ثم بعد ذلك في الانتخابات. الناس ليسوا بصدد اكتشاف جسم سياسي جديد وهذا ما يجعلهم لا يستغرقون وقتا في التفكير في الانضمام إليه. علاوة على ذلك حزب تحيا تونس موجود في الحكم عبر قياداته وأهمهم رئيس الحكومة. وجود الحزب في الحكومة أو في «المخزن « يسهل كل هذا الصعود بحكم أن جزءا من ثقافة التونسي السياسية هي ثقافة براغماتية تضع الغنيمة بمعناها العام حاضرة في عملية اختيار من هو في السلطة. يستفيد حزب تحيا تونس من ذهنية سياسية ينطبق عليها وصف العلاقة القائمة بين الشيخ والمريد. وجود وجه أكاديمي في المرتبة الثانية من حيث نوايا التصويت، (السيد قيس سعيد بعد السيد يوسف الشاهد) كيف يمكن أن يفسر؟ الفرضية الممكنة في هذه الحالة هي أن صعود قيس سعيد هو إجابة على الأداء الرئاسي منذ أربع سنوات ونصف. وهي رغبة في تغيير صورة مؤسسة رئاسة الجمهورية التي عرفت هزات كبيرة في الفترة الأخيرة. بروفايل قيس سعيد هو بروفايل ذاك الرجل الأكاديمي الذي يأتي من خارج اللعبة الحزبية يتصف أداؤه الخطابي بالصرامة والجدية ويعطي انطباعا بأنه غير منخرط في الألاعيب السياسية التي يمكن أن تؤثر سلبيا على استقرار الدولة. وكأن مؤسسة الرئاسة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى نوع من الاستقرار والمثابرة أي إلى الصورة التي علقت عند التونسيين حول هذه المؤسسة منذ الاستقلال، هناك رغبة إذا في استعادة بريق هذه المؤسسة السياسية العريقة. ويمكن لقيس سعيد في نظر من ينوون التصويت له أن يؤدي هذه المهمة. هناك اتجاه في الانتخابات القادمة إلى تجريب ما هو غير منتظر، من هو خارج المنظومة ولهذا سنشهد مفاجآت عديدة. صعود التيار الديمقراطي بهذا الشكل، (المرتبة الثالثة) هل كان متوقعا في نظركم؟ وأي نتائج سيكون ذلك في مستوى التحالفات القادمة لتشكيل حكومة جديدة، ان تأكد الصعود انتخابيا؟ ما هي الخلفية السوسيولوجية لناخبي التيار الديموقراطي؟ نعتقد أولا أن التيار الديموقراطي هو الآخر النسخة المحينة من حزب المؤتمر. ولكن قاعدته السوسيولوجية متأتية من نخب الطبقة الوسطى في المدن الكبرى والمتوسطة والذين لا يجدون إجابات واضحة لدى الأحزاب الوسطية بصفة عامة، هم في الغالب نقابيون بميولات قومية ويسارية يؤمنون بالمسار الثوري وبنقائه. ونضيف إلى ذلك الخطاب الذي يركز على مقاومة الفساد المالي والسياسي وهذا ما يجعل النخب التي تحدثنا عنها تجد لنفسها الشرعية السياسية للذهاب بهذا الحزب إلى طموحات عالية في الانتخابات القادمة. مازالت مسألة العزوف تلقي بضلالها على كل عملية استطلاع رأي، الا تعتقدون بأن السلوك الانتخابي وخصوصا لدى الشباب يمكن أن يتغير في اتجاه المشاركة بعد انطلاق الحملات الانتخابية؟ يمكن للسلوك الانتخابي لدى الشباب أن يتحسن بعض الشيء بحكم مفعول التعبئة الانتخابية لكن لن يشهد قفزة نوعية. الفرضية الوحيدة التي تجعل الشباب يقبل على الديناميكية الانتخابية وينخرط فيها هو قدرة أحد الفاعلين في المشهد الانتخابي على استنباط خطاب جديد وطرق جديدة في التعبئة ولكن سيكون ذلك من خارج الأحزاب التقليدية. سيتواصل رفض الشباب للانتخابات كخلاصة لأداء سياسي وانتخابي سيئ طيلة الفترة الماضية وما علق في أذهانهم من عدم جدية الفاعلين الحاليين في التعامل مع قضايا الشباب وفي عدم قدرتهم على إخراج البلاد من أزماتها المختلفة. ولكن هذا الرفض الانتخابي لا يعني في كل الأحوال نكوصا عن المشاركة في الشأن العام أو في قلة الاهتمام به. للشباب الآن أشكال جديدة من الالتزام يتم التعبير عنها عبر الانخراط في الحركات الاحتجاجية أو في التعبير عن مواقفهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. هل يعنى ذلك بأنه من المطلوب وضع مسألة العزوف في سياق دولي مقارن لكي تفهم؟ صحيح ، ان الرفض الانتخابي لدى الشباب هو أيضا علامة على أزمة تشهدها الديمقراطيات النيابية أو التمثيلية في كل أنحاء العالم. صعود الفردانية واتجاه نحو تحمل مزيد من المسؤولية يجعل الشباب أكثر ميلا للتعبير عن مواقفه عبر الفعل الذي يقوم به والذي يختاره بعناية ويختلف به عن مجرد الذهاب لصندوق الاقتراع ووضع اختيار بداخله. يعيش الشباب مفارقة انتخابية فلا هو مقتنع بالجيل الذي يمسك بدواليب الدولة الآن ولا هو قابل لأن يعطي المشعل للقوى الشابة بحكم عدم الثقة في قدرتها على قيادة البلاد. في دراسة سابقة أنجزتها في المرصد الوطني للشباب حول مشاركة الشباب في الشأن العام لم يوافق سوى 2% من المستجوبين على أن تكون القوائم الانتخابية قوائم شبابية. ساهمت الانتخابية البلدية في بروز تجدد أجيالي للنخب المحلية، هل تتوقعون بأن يكون للشباب موقع قدم في قوائم الأحزاب السياسية أم أنه ثمة ضرورة لاستعادة تجارب القائمات المستقلة؟ تختلف الانتخابات المحلية عن الانتخابات التشريعية والرئاسية ولكن بعد مرور أقل من سنة بقليل عن هذه الانتخابات لا يرى الشباب أفقا جديدا وتحولا عميقا في المشهد العام. إذ لا تزال المشاكل هي نفسها وهذا نابع من عدم تقدير صعوبة الأداء المحلي وتعقد رهاناته والنقص الكبير في التجربة. أما القوائم المستقلة وإن حققت نجاحا مهما في الانتخابات فقد وجدت نفسها رهينة التجاذبات الحزبية عند تشكيل المجالس المحلية وستنصهر استقلاليتها داخل المنظومة الحزبية التي تتصدر المشهد العام. علاوة على أن العديد منها مسنود من أحزاب كبرى وقد تم الكشف مؤخرا على أن هذه الاستقلالية هي مطية للتموقع داخل الأحزاب والعديد منهم قد التحق بها مؤخرا بحثا عن مصعد انتخابي جديد. وهو الشيء الذي سيفقد الثقة في القوائم المستقلة على اعتبارها هي الأخرى شكل من أشكال السياحة انتخابية على غرار السياحة الحزبية والسياحة البرلمانية. الأداء السيئ داخل البرلمان طيلة المدة النيابية مؤشرا له بالغياب المتواصل عن الجلسات والخصومات العلنية المثيرة للسخرية والاشمئزاز علاوة على قصص الفساد لبعض النواب التي تداولها المتابعون ورهن مؤسسات الدولة كالمحكمة الدستورية للتجاذبات الحزبية الضيقة، كل هذا أنتج ثقافة الكلفة العبء للبرلمان وهي كلفة سياسية بالأساس. إن تهاوي المؤسسة البرلمانية وعجزها عن الذهاب بالبلاد نحو أفق أفضل سيكون حاسما في إقبال الناخبين على اختيار ممثليهم. فقدت هذه المؤسسة الديمقراطية معنى وجودها وعليها أن تثبت جدارتها أمام ناخبيها. لكن بعض المبادرات تستعد الان للانطلاق بعنوان المستقلين؟ قد يكون للقوائم المستقلة في الانتخابات القادمة بعض النجاح بالرغم من أن مسألة الاستقلالية تحتاج بعض التدقيق. من هم هؤلاء المستقلون؟ هل هم حزبيون قدامى تعثر بهم المسار فخيروا التقدم في مشروع غير حزبي. هل هم حديقة خلفية لبعض الأحزاب الكبرى؟ حدث هذا في الانتخابات البلدية. من الأجدر تسميتهم بالقوائم غير الحزبية بالمعنى الشكلي للكلمة وهذا الغموض الذي يحف في كثير من الأحيان بمسألة استقلاليتها يجعل من الذهاب إلى صناديق الاقتراع محفوفا بالشكوك.