مازالت تفصلنا أربعة أشهر عن النهاية الرسمية لأشغال البرلمان. لكن يبدو أن المؤسسة التشريعية تشهد موتا سريريّا ونهاية مبكرة بعد أن تم إفراغها من محتواها وتجريدها من نفوذها . تونس -الشروق: يشهد مجلس نواب الشعب تفاقما للظواهر السلبية ،على رأسها استفحال ظاهرة الغياب والمقاعد الشاغرة التي أساءت بشكل كبير الى صورة البرلمان والى مفهوم الانضباط السياسي . ويعود استفحال هذه الظاهرة الى اقتناع عدد من النواب بنهاية دور البرلمان الحالي واعتباره مؤسسة مجمّدة أفلتت خيوط اللعبة السياسية من يدها. وبقيت على الهامش . المساواة في الارث البرلمان أصبح عاجزا عن تمرير الملفات الثقيلة الملقاة على طاولته. ومن المنتظر أن يحيلها الى المؤسسة التشريعية القادمة التي سوف تبدأ عملها انطلاقا من ديسمبر 2019 ، نظرا الى حالة التشتت التي يعيشها و انشغال نوابه بالحملات الانتخابية السابقة لأوانها في محاولة لحجز مقعد في المؤسسة التشريعية القادمة . ومن أهم الملفات التي من المنتظر إحالتها الى البرلمان القادم مشروع قانون المساواة في الميراث والإصلاحات التي سيتم إدخالها على مجلة الأحوال الشخصية. فهذا النص التشريعي دخل بشكل رسمي الى رفوف البرلمان بعد جلسة استماع يتيمة عقدتها اللجنة المكلفة بالنظر فيه ، لممثلين عن رئاسة الجمهورية باعتبارهم جهة المبادرة . وتم الاستماع الى ممثلين عن رئاسة الجمهورية. ثم أعيد المشروع الى الرفوف ، مما أكّد مقولة غياب الإرادة السياسية في تمريره وغياب الأرضية المجتمعية التي يمكن أن تقبل بتطبيق هذا النص أو مناقشته حتى.فالتوتر المستمر الذي تعيشه تونس يُعتبر أيضا أحد الأسباب الرئيسية التي قادت الى التخلي عن مناقشة المشروع حاليّا . المحكمة الدستورية المحكمة الدستورية هي أيضا من أهم الملفات التي بقيت عالقة في تفاصيل الصراعات السياسية بين الأحزاب والنواب. فبالرغم من مضي أكثر من ثلاث سنوات منذ المصادقة على القانون المحدث للمحكمة إلا ّ أنها بقيت الى الآن حبرا على ورق . فنواب البرلمان فشلوا في ثلاث محطات متتالية في انتخاب ثلاثة أعضاء سيؤثثون المحكمة الدستورية ،أوكل القانون المُحدث الى المحكمة مهمة انتخابهم للبرلمان . هذا الهيكل بقي معطّلا بسبب عدم التوافق على الأسماء التي ستؤثثه. وفشل المترشحون في الحصول على ثقة ثُلثي الأعضاء ،إلاّ واحدا فقط . تركيز المحكمة الدستورية مُهمة من المنتظر أن تُحال الى البرلمان القادم. وسوف يقرّر إما الإبقاء على الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها أو تعديل القانون وحصر الأغلبية في 109 نواب فقط . العتبة الانتخابية مشروع قانون تركيز عتبة انتخابية في الانتخابات التشريعية الذي قدمته الحكومة منذ فترة ،يبقى أيضا من النصوص التشريعية المهمة التي يمكن تصديرها الى المؤسسة التشريعية القادمة. فبعد أن أنهت اللجنة المكلفة بالنظر في هذا المشروع مناقشته وإحالته الى الجلسة العامة ،تعطّل مساره بسبب خلافات كبرى بين من يدفع في سياق تركيز عتبة ب 5 بالمائة ومن يتحدث عن إمكانية الترفيع في العتبة الى 7 بالمائة ومن يرى أن العتبة لا يجب أن تتجاوز 3 بالمائة فقط . الصراعات الحاصلة حول حجم العتبة عطّل النظر في مشروع القانون ،حتى أن لجنة التوافقات اجتمعت ساعات طويلة دون أن تتمكن من تقريب وجهات النظر وحسم الملف نهائيا . غياب المبادرات السياسية خارج السياق التقني القانوني لعمل البرلمان ،يمكن اعتبار البرلمان مؤسسة خارج اللعبة السياسية في تونس في الفترة القادمة. فمجلس نواب الشعب كان الحاضنة الأساسية لتفعيل المبادرات التي تُعلنها رئاسة الجمهورية وارتباطا بأن الباجي قائد السبسي فقد الكثير من نفوذه. وأصبح غير قادر على إطلاق مبادرة تُحرّك الساحة السياسية في تونس. وتنعكس بصورة مباشرة على البرلمان فإن مجلس نواب الشعب يبقى في حالة جمود الى حين نهاية الفترة البرلمانية . سحب الثقة من الحكومة أما في ما يتعلق بالحكومة فإن الأمر يُعتبر محسوما وبقاءها الى حين إنجاز الاستحقاق الانتخابي القادم يبقى أمرا بديهيّا. وهو ما يجعل من فرضية سحب الثقة منها وتحريك الساحة البرلمانية بين مؤيّد لبقاء الحكومة ورافض لها مسألة مستبعدة ،خاصة أن الشاهد تمكّن من تمرير ميزانية 2019 والتحوير الوزاري السابق بأريحية عددية تجعله بمنأى عن سحب الثقة مادامت علاقته بحزامه السياسي جيدة . ويبقى البرلمان في الأشهر القليلة التي بيقت من عمله،حتى وإن تم عقد دورة برلمانية استثنائية ، مساحة للتفاعل مع الأحداث الوطنية بمهرجانات خطابية غير قادرة على التغيير ومؤسسة لتمرير نصوص تشريعية أغلبها اتفاقيات قروض ومعاهدات دولية ، إلى حين نهاية عمله بشكل رسمي . نهاية الدورة البرلمانية ينص الفصل 6 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب على أن «يعقد مجلس نواب الشعب دورة عادية تبتدئ خلال شهر أكتوبر من كل سنة وتنتهي خلال شهر جويلية، على أن تكون بداية الدورة الأولى من المدة النيابية لمجلس نواب الشعب في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية.وفي صورة تزامن بداية الدورة الأولى من المدة النيابية لمجلس نواب الشعب مع عطلته تعقد دورة استثنائية إلى غاية منح الثقة للحكومة.ويجتمع مجلس نواب الشعب أثناء عطلته في دورة استثنائية بطلب من رئيس الجمهورية أو من رئيس الحكومة أو من ثلث أعضائه للنظر في جدول أعمال محدد».