لم يعد الراتب يكفي لقضاء حاجيات التونسي الاساسية فارتفاع الاسعار يربك الميزانية الاسرية مما جعل المستهلك يلجأ الى التداين المتواصل ويدخل في دوامة القروض التي أصبحت بمثابة التكملة للأجور. تونس (الشروق): لم تعد الفئات الفقيرة والمتوسطة قادرة على مواكبة ارتفاع الأسعار وتلبية حاجيات الاسر خلال السنوات الاخيرة التي شهدت خلالها الاسعار رياضة القفز العالي المتواصل. وقد انعكست الصعوبات الاقتصادية على المواطن بشكل مباشر فقد تراجعت المقدرة الشرائية للمواطن التّونسي بنسبة 88 بالمائة ما بين سنتي 2010 و2018 نتيجة انخفاض قيمة صرف الدّينار التونسي مقابل العملات الرئيسية وفق احصائيات البنك العالمي. وهو ما جعل الاسر تغرق في التداين وقد اشارت دراسة حديثة أن نحو 540 ألف أسرة دخلت في دوامة التداين المغلقة ما يجعلها تقترض لسداد قروض سابقة مشيرة إلى أن 80 في المائة من هذه القروض طويلة أو متوسطة المدى تتراوح مدة سدادها ما بين 15 و20 عاما. 500 مليون دينار في «الروج» ويشار الى ان قيمة القروض الموجهة للأسر التونسية الى غاية شهر ديسمبر 2018 تقدر بحوالي 24 مليار دينار وهو ما يعادل أكثر من نصف ميزانية الدولة حسب ما ذكره مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية في تصريح إذاعي واضاف ان قائم القروض الى غاية شهر ديسمبر 2018 شهد ارتفاعا بنسبة 120% مقارنة بديسمبر 2010 على الرغم من تراجع قائم القروض المسلمة من طرف البنوك لفائدة الاسر التونسية سنة 2018 بحوالي 52%. وأضاف بن جازية ان حوالي 10 مليار دينار من قائم القروض موجه لشراء مسكن جديد و9 مليار دينار لتحسين المسكن وحوالي 500 مليون دينار للسحب في «الرّوج» و3 مليون دينار للقروض الاستهلاكية قصيرة المدى. وفي هذا الإطار صرح أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشّكندالي خلال لقاء نظّمه مؤخرا مركز دراسة الإسلام والدّيمقراطية، حول «تراجع قيمة الدّينار التّونسي» ان استعادة القدرة الشرائية للمواطن من الطبقة المتوسطة حتى تكون في مستوى تلك المسجلة سنة 2010 تتطلب مضاعفة أجره من 760 دينارا حاليا الى 1500 دينار. ويشار الى ان احدى الدراسات توصلت ان راتب التونسي لا يكفيه سوى أسبوع. واعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أنّ تراجع صرف الدّينار انعكس سلبا على أداء المؤسّسات التّونسية مما أفقدها قدرتها التّنافسيّة وهو ما انعكس على اسعار كل البضائع والمواد الاستهلاكية المحلية والمستوردة. الرواتب تتبخر وخلال حضوره في مجلس الشعب تحدّث وزير التجارة عمر الباهي خلال جلسة عامة في فيفري الماضي عن ارتفاع معدل التضخم بنسبة 47 بالمائة في الفترة الممتدة بين 2010 و2018 وذلك مع تطور الأجور في الوظيفة العمومية بنحو 60 بالمائة. كما تحدث في ذات السياق عن توجه الحكومة خلال سنة 2019 نحو التخفيض في نسبة التضخم التي اعتبر انها تراجعت خلال شهر جانفي 2019 الى 7,1 بالمائة (في موفي فيفري 2019بلغت 7.3بالمائة) وقد كانت في حدود 7,5 بالمائة خلال شهر ديسمبر 2018. ولا يخفى على احد ان التضخم او غلاء الاسعار يجعل الرواتب والزيادات في الأجور تتبخر بعد ايام قليلة من صرفها وهي ازمة تعيشها الاسر التونسية شهريا مما جعلها تلتجئ الى القروض المتواصلة حتى بلغنا مرحلة الحصول على قرض لاستخلاص قرض سابق بل ان بعض العائلات تعتبر القرض وكانه تكملة للراتب الذي لا يغطي سوى ايام معدودة في الاسبوع. ويشار أنّ 85 بالمائة من المواد التي يتم استهلاكها في السوق التونسية حرة وقد سجلت قفزة كبيرة على مستوى الأسعار بشكل غير معلن في الغالب وهو ما يرهق المستهلك ذلك ان هذا الترفيع طال أسعار العديد من الخدمات والقطاعات على غرار خدمات الاتصالات وفواتير الكهرباء والغاز والأدوية والخدمات الصحية والمواد الغذائية وكلفة السكن والتعليم والنقل فباستثناء المواد المدعمة التي لا يتجاوز عددها اصابع الايدي طال غلاء الاسعار كل المنتوجات والخدمات. وهو ما جعل اللجوء الى القروض والتداين احد الحلول التي اتبعها المستهلك التونسي رغم كلفتها المجحفة. وتفيد ارقام المعهد الوطني للاستهلاك ان 36,5 في المائة من الأسر التونسية لديها فرد على الأقل في العائلة بصدد سداد قرض بنكي و10.3 في المائة من الأسر لديها فردان في حالة سداد قرض فيما تلجأ نسبة 19.6 في المائة بصفة مستمرة إلى قضاء حاجاتهم عبر الاقتراض وهي في حالة سداد دائمة للقروض. مسؤولية البنوك ويرى المراقبون ان للبنوك مسؤولية كبيرة في اغراق الاسر في التداين بسبب فرض نسب فائدة عاليةو عمولة كبيرة على «الروج» لذلك سعت الدولة الى حماية المستهلك اذ اعلن وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية محمد فاضل محفوظ، إطلاق مشاورات بشأن مشروع قانون الحماية من التداين في إطار برنامج وطني للتوقّي من التداعيات السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لظاهرة التداين في سياقيه الفردي والأسري وتوفير الآليات القانونية المناسبة لمعالجة وضعيات التداين المفرط للمواطنين الذين تواجههم صعوبات قاهرة نتيجة لذلك. نبيل شحدورة عضو الهيئة الاستراتيجية لحلقة الماليين التونسيين لهذه الأسباب يغرق التونسي في القروض ذكر نبيل شحدورة عضو الهيئة الاستراتيجية لحلقة الماليين التونسيين انه يمكن تقسيم أسباب الغرق في التداين لدى التونسيين الى قسمين يعود الأول الى غرق المواطن المفرط في الاستهلاك والاغراءات التجارية ل«الفرنشيز» والماركات العالمية الجديدة المنتصبة في بلادنا حتى ان الكماليات أصبحت من الضروريات بالنسبة للأسرة من ذلك اللباس على اخر موضة واقتناء احدث السيارات والهواتف الذكية... اما السبب الثاني فيتمثل في ان المستهلك لو لم يجد التسهيل من البنوك لما وصل الى مرحلة الغرق المتواصل في الديون. ومن الواضح ان البنوك تتجه لإقراض المستهلك باعتباره أفضل من الشركات ذلك ان مخاطر عدم الخلاص اقل بالنسبة الى المستهلك باعتبار ان له ضمان مهم وهو الراتب الى جانب اعتماد فوائض هامة على «الروج» وعلى القروض وسائر الخدمات البنكية. ورغم ان البنك المركزي حدد سقفا للإقراض يجب الا يتجاوز 40بالمائة من الراتب الا انه لا يمكن الجزم بان هذا الشرط يتم احترامه وان هناك رقابة في هذا الاتجاه خاصة وان الهدف من هذا الاجراء حماية المستهلك وترك 60بالمائة من الراتب ليتمكن من توفير مستلزمات الحياة. وفي خصوص اعتبار الاستهلاك احد محركات تطور الاقتصاد وذكر المختص ان هذا الامر لا ينطبق بصفة الية اذ وجب توفر شروط في الاقتصاد ليتحول الاقتصاد الاستهلاك الى محرك من محركاته منها ان يكون الاستهلاك موجه للمنتوج المحلي وليس للمنتوج المستورد الذي يزيد من انهيار الدينار...