دخلت الأزمة الليبية الراكدة في مياه اتفاق الصخيرات منذ أواخر 2015 منعرجا جديدا مع إعلان المشير خليفة حفتر عن عملية عسكرية ل«تحرير» العاصمة طرابلس من الميليشيات مستغلا تناحرها في ما بينها سابقا لفرض نفسه كأمر واقع إقليميا ودوليا. لماذا أطلق حفتر هذه العملية الآن؟ ومن سينتصر فيها؟ وأي تداعيات لها على مستقبل ليبيا؟ الملاحظ أن حفتر استغل 3 عناصر أساسية في هذه العملية وهي التوقيت المناسب والدقيق التي تغرق فيها دول الجوار في أزماتها بالإضافة الى ركود التسوية السياسية بين حكومتي الشرق والغرب ومن خلفهما من قوى اقليمية ودولية. كما أنه من شبه المؤكد أن حفتر حصل على ضوء أخضر على الاقل اقليميا (من حلفائه) لشن العملية العسكرية لسببين اثنين وهما فرض واقع جديد يكون فيه المشير في موقع قوة عند أي مفاوضات جديدة أولا، وانتزاع اعتراف دولي به حاضرا ومستقبلا في أي عملية سياسية ثانيا. أما العنصر الثالث وهو الأهم استغلال حفتر لصراع الميليشيات في طرابلس وتناحرها بين الفينة والأخرى مما هزّ من صورة حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الذي ظهر بمظهر «الحاكم العديم الجدوى» وغير القادر على بسط نفوذه وتجميع الميليشيات حول مائدة واحدة. ورغم الزخم الاعلامي الذي رافق العملية العسكرية للجيش الليبي في طرابلس وإعلانه عن تحريرها في 48 ساعة الا أن الواقع يقول غير ذلك، وأصبحت المعركة بين كر وفر والسيطرة المتبادلة على المواقع وأهمها مطار طرابلس الدولي. وقد جسّد التجاء الجيش الليبي لسلاح الجو وان كان ردا على هجمات جوية من حكومة الوفاق، مدى الصعوبة في التقدم على الميدان في ظل تواجد ميليشيات مسلحة ومتمترسة جيدا ولها خبرات طويلة في القتال ضد «داعش» وبين بعضها البعض. وبالتالي فإنه وحسب سير المواجهات وتسلّح الطرفين جيدا لن تفضي المعركة الى منتصر فيها بل ستزيد من تأزيم الأوضاع والخسارة البشرية والمادية وستصبح حربا طويلة الامد قد تحيل الى الدخول في حرب أهلية اذا لم تتدخل المنظمات والقوى الدولية لوقفها. الأمر الأكثر خطورة من الحرب الأهلية هو استقطاب الطرفين للقبائل والعشائر الليبية وهو سيخلق صراعا اجتماعيا قبليا لن يخمد الا بعد أجيال وأجيال مما سيهدد مستقبل البلاد ويدخلها في دوامة التناحر والانتقام والجهوية. كما إنه وبانتصار أحد الاطراف ستقل فرص التسوية السياسية بل سيغلب منطق القوة وفرض الامر الواقع في حين كان على الطرفين الاجتماع وتقاسم السلطة واجراء انتخابات تحقن دماء الشعب الليبي وتنهض بالبلاد بعيدا عن امراء الحرب الخارجيين الذين لا يرون امامهم الا ثروات ليبيا. الغريب أن القوى الدولية الداعمة لكلا الطرفين وقفت موقف المتفرّج من الأحداث الدائرة ولسان حالها يقول «دعهم يقتلون بعضهم بعضا حتى آخر رجل ثم سنتفق على أنقاض ما تبقى».